الصحافة _ كندا
بدأت حالة من القلق تسود في أوساط عدد من رؤساء الجماعات الترابية، بعد أن أعطت وزارة الداخلية الضوء الأخضر لمفتشيتها العامة لتحريك ملفات ظلت راكدة لسنوات في دهاليز الوزارة، تتعلق بشبهات تبديد المال العام عبر صفقات مشبوهة ودراسات وهمية لا أثر لها على أرض الواقع. التحرك الجديد يأتي في سياق حملة تفتيش واسعة، يشرف عليها الوالي محمد فوزي، وُصفت بالمركزة والدقيقة، وتهدف إلى كشف النقاب عن ممارسات طالما ظلت بعيدة عن المساءلة، رغم ما أثارته من جدل وغضب شعبي واسع.
مصادر متطابقة كشفت أن عدداً من الجماعات وقعت عقوداً ضخمة مع مكاتب دراسات مشبوهة، بعضها مملوك لأشخاص يقبعون حالياً خلف القضبان، لإنجاز دراسات تقنية وقانونية لم تُنجز فعلياً، أو تم تضخيم تكلفتها بشكل فجّ ومفضوح. هذه “الدراسات على الورق” كلّفت خزائن الجماعات ملايير السنتيمات، في وقت لم تُنفذ فيه المشاريع التي أُبرمت من أجلها، وهو ما يطرح علامات استفهام حول حجم التواطؤات داخل بعض المجالس المنتخبة.
وبينما يتسابق بعض الرؤساء لتبرير النفقات المنفوخة عبر وثائق صورية، تفجرت معطيات خطيرة حول صفقات وهمية نُفذت على الورق فقط في ضواحي الدار البيضاء، منسوبة لرئيس جماعة تحاصره عشرات الشكايات، لكن يقال إنه يستفيد من مظلة حماية داخل حزب الأصالة والمعاصرة، مما يضع مصداقية المساءلة موضع شك.
هذا التحرك الوزاري يأتي بعد سنوات من التراخي، حيث ظلّت ملفات ثقيلة حبيسة الأرشيف، رغم المطالب المتكررة من قبل المواطنين والمجتمع المدني بفتحها. غير أن اقتراب موعد الانتخابات المقبلة دفع وزارة الداخلية إلى كسر الصمت وتحريك المياه الراكدة، وسط توقعات بإسقاط أسماء نافذة وشبكات نفوذ داخل جماعات محلية كانت تشتغل لسنوات بمنأى عن المحاسبة.
وتتزامن هذه المستجدات مع تصاعد الغضب الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تُتداول قصص “إثراء فاحش” لبعض الرؤساء الذين تحولوا من فقراء إلى ملاك فيلات وعقارات داخل وخارج المغرب، في غياب تام لأي تفسير مشروع لمصادر ثرواتهم المفاجئة.
في ظل كل هذا، تعلو الأصوات المنادية بوضع حد لحالة الإفلات من العقاب، وبإصلاح شامل لمنظومة الرقابة والصفقات العمومية، لضمان حماية المال العام واستعادة ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة، التي فقدت الكثير من مصداقيتها بسبب تكرار نفس سيناريوهات الفساد، دون حسم أو ردع. فهل تملك وزارة الداخلية الجرأة الكاملة لقطع هذا النزيف السياسي والمالي، أم أن شبكة “النافذين” ستجد مرة أخرى طريقها لإفراغ المساءلة من محتواها؟