الصحافة _ كندا
أثار قرار اللجنة التقنية الحكومية رفض مقترح قانون تحديد “سن الرشد الرقمي” في ست عشرة سنة، الذي تقدم به المستشار البرلماني عبد الكريم الهمس، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين، جدلاً دستورياً واسعاً حول مدى مشروعية تدخل الجهاز التنفيذي في تعطيل المبادرات التشريعية للبرلمان.
المقترح المرفوض، الذي وُضع على طاولة البرلمان في ماي الماضي، كان يهدف إلى منع القاصرين دون 16 سنة من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و”تيكتوك”، حمايةً لهم من المخاطر الرقمية، واستناداً إلى توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الصادرة في مارس 2024، التي دعت إلى إقرار “سن رشد رقمي” وفرض التزامات قانونية على المنصات لحماية الأطفال من الاستغلال والانتهاكات الإلكترونية.
غير أن اللجنة التقنية لدراسة مقترحات القوانين، المحدثة بمرسوم حكومي سنة 2023، قررت إسقاط المقترح في مرحلة الدراسة الأولية، ما اعتُبر تدخلاً سافراً في صلاحيات البرلمان وتكريساً لهيمنة المقاربة الإدارية على المبادرات التشريعية المنتخبة.
تضم اللجنة ممثلين عن رئاسة الحكومة والأمانة العامة والداخلية والمالية والعلاقات مع البرلمان، ويشترط في أعضائها أن يكونوا من درجة مدير مركزي على الأقل، ما يجعل القرار الفعلي بشأن المقترحات يُحسم في مستوى إداري تنفيذي، بعيداً عن النقاش السياسي البرلماني.
ويرى متابعون أن هذا المسار الجديد يجعل الحكومة “البوابة الإلزامية” لعبور القوانين، إذ لا يُعرض أي مقترح برلماني على مجلس الحكومة قبل مروره عبر اللجنة التقنية، التي تملك سلطة قبول أو رفض أو تعديل النصوص. وهو ما يُعيد إلى الواجهة سؤال التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، خصوصاً أن الدستور المغربي ينص على التعاون والفصل المرن بين السلط، لا على خضوع البرلمان لرقابة تقنية من الجهاز التنفيذي.
المفارقة، كما يلاحظ عدد من المتتبعين، أن رفض مقترح “سن الرشد الرقمي” جاء رغم تطابقه شبه الكامل مع توصيات مؤسسة دستورية رسمية، هي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي دعا إلى تحديد السن القانونية للولوج إلى شبكات التواصل الاجتماعي، ومنح أولياء الأمور الحق في تعليق حسابات أبنائهم القاصرين عند الضرورة، على غرار التجربة الفرنسية التي حددت “سن الرشد الرقمي” في 15 سنة بموجب القانون الصادر في يوليوز 2023.
قرار اللجنة الحكومية أعاد إلى الواجهة النقاش حول من يمتلك السلطة الفعلية في التشريع داخل المغرب: البرلمان المنتخب أم الإدارة الحكومية؟
وبينما يرى البعض أن وجود هذه اللجنة ضروري لضمان التنسيق والانسجام القانوني، يعتبر آخرون أنها تحولت إلى أداة لتقييد المبادرة البرلمانية ومصادرة حق المشرعين في اقتراح القوانين، وهو ما يجعل الصراع بين السلط الدستورية يدخل مرحلة جديدة في ظل جدل متصاعد حول “من يملك القرار التشريعي في المغرب الرقمي الجديد”.

 
						 
		 
		













