الصحافة _ كندا
في أول خروج إعلامي له برسم الدخول السياسي الجديد، اختار رئيس الحكومة عزيز أخنوش أن يرسم صورة مثالية لأغلبيته وحكومته، واصفًا التجربة الحالية بـ”غير المسبوقة” و”المثالية”. غير أن هذا الخطاب، الذي جاء محمّلًا بالشعارات والوعود، يصطدم بواقع سياسي واقتصادي واجتماعي مختلف تمامًا.
أخنوش تحدث بثقة عن “تماسك الأغلبية” و”أجندة واضحة”، في وقت يعرف الجميع أن الخلافات بين مكونات الأغلبية بدأت تطفو إلى السطح مع اقتراب استحقاقات 2026، وأن رسائل متبادلة بين الاستقلال والأحرار لم تعد سرًا. فإذا كان التماسك حقيقيًا، لماذا تضطر قيادات أحزاب الأغلبية إلى تبادل المذكرات المليئة بالانتقادات؟
أما في الشق الانتخابي، فقد بدا رئيس الحكومة مرتاحًا لإشراف وزارة الداخلية على تدبير الاستحقاقات المقبلة، واعتبر ذلك ضمانة للحياد والشفافية. لكن هذا الموقف يثير تساؤلات عميقة: أليس في ذلك اعتراف ضمني بفشل رئيس الحكومة في لعب دوره الدستوري كقائد للنقاش السياسي والانتخابي؟ وهل يعني ذلك أن “التجربة المثالية” التي يتحدث عنها عاجزة عن ضمان مصداقية الانتخابات بدون وصاية الداخلية؟
وعند الحديث عن “الأوراش الكبرى”، كرر أخنوش نفس القائمة المعتادة: الصحة، التعليم، الماء، الحماية الاجتماعية… لكنه تجاهل تمامًا الأرقام الصادرة عن مؤسسات رسمية كالمندوبية السامية للتخطيط التي تؤكد استمرار معدل البطالة في حدود 12%، وارتفاع الأسعار بنسبة تفوق 7% سنة 2024، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين. أي مصداقية لحكومة تصف حصيلتها بالإيجابية فيما يعيش المواطن أبسط تفاصيل حياته اليومية تحت ضغط الغلاء وانهيار الخدمات العمومية؟
في ملف الماء، حمّل رئيس الحكومة المسؤولية لـ”الإرث الثقيل”، متحدثًا عن تأخر محطة تحلية الدار البيضاء لعشر سنوات. لكنه نسي أن حكومته نفسها قضت أربع سنوات في السلطة دون أن تقدم حلولًا ناجعة سوى الوعود. ما الفرق إذن بين من أخطأ في الأمس ومن يكرر نفس الخطاب اليوم؟
أما في قطاع التعليم، فإن إعلان استفادة 3,2 مليون تلميذ من دعم مدرسي استثنائي لا يمحو الأزمة البنيوية: أقسام مكتظة، خصاص في الأطر، تراجع في جودة التعلمات. الدعم المالي المؤقت قد يشتري الدفاتر لكنه لا يبني مدرسة عمومية قادرة على المنافسة.
وفي سياق زلزال الحوز، تحدث أخنوش عن “تدبير مشرف” و”إجراءات سريعة”. لكن الواقع على الأرض يقول إن آلاف الأسر ما زالت تعيش في بيوت مؤقتة وسط ظروف قاسية، وأن إعادة الإعمار تواجه تأخيرات وتعقيدات إدارية. كيف يمكن الحديث عن نجاح مشرف في ظل هذه الحقائق؟
خلاصة القول: خطاب أخنوش مليء بالشعارات، لكنه يفتقد لجواب مقنع على سؤال جوهري: كيف يعيش المواطن المغربي اليوم؟. بين الأرقام الوردية التي يقدمها رئيس الحكومة والواقع الرمادي الذي يعيشه الشارع، تتسع الهوة وتزداد فقدان الثقة. فالأغلبية ليست مثالية كما يدّعي، والنجاحات ليست “غير مسبوقة”، بل مجرد إعادة إنتاج لخطاب إنجازات على الورق بينما الحقيقة ماثلة في الأسواق، في المدارس، في المستشفيات، وفي جيوب المغاربة التي تزداد فراغًا.