الصٌَحافة _ وكالات
اكتشف الجزائريون بعد مضي أشهر على الحراك الشعبي، العديد من نواب البرلمان المتورطين في قضايا فساد، والذين تم مُباشرة إجراءات رفع الحصانة عنهم تمهيدا لتقديمهم أمام العدالة.
ويعدّ المعنيون بإجراءات رفع الحصانة بعد التحقيق في ملفاتهم، من كبار السياسيين مثل جمال ولد عباس الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني وعمار غول رئيس حزب تجمع أمل الجزائر ووزير الأشغال العمومية السابق، والسعيد بركات وزير التضامن السابق وبوجمعة طلعي وزير النقل السابق.
ويُواجه هؤلاء السياسيون الذين تقلدوا مناصب رفيعة زمن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، تهما تتعلق بشكل عام باستغلال النفوذ ومنح امتيازات غير مستحقة وتبديد أموال عمومية وإساءة استغلال الوظيفة وتعارض المصالح في القرارات التي أصدروها، وهي تهم منصوص عليها في قانون مكافحة الفساد الصادر سنة 2006.
ويُعطي القانون الجزائري، تفضيلا للوزراء والولاة يسمى “الامتياز القضائي”، إذ لا يتم توجيه التهمة لهم أو محاكمتهم إلا أمام المحكمة العليا. وفي حالة الوزراء الذين تحولوا لاحقا إلى نواب، تقدم وزارة العدل طلبا إلى مكتب البرلمان، من أجل رفع الحصانة عنهم حتى يمكن للمحكمة العليا استدعاؤهم.
ويُنتظر أن يتلقى البرلمان طلبات بإسقاط الحصانة عن عدد من رجال الأعمال الذين يمتلئ بهم البرلمان الجزائري بغرفتيه، بعد توصل التحقيقات إلى حصول بعضهم على امتيازات غير مشروعة.
الحصانة والامتيازات
وانطلق نقاش بعد ظهور هذه القضايا، حول جدوى تمتع النائب أو السيناتور بـ”الحصانة البرلمانية” التي تحميه من أي متابعة قضائية، ما دام أصحابها يستعملونها للحصول على امتيازات خارج القانون.
وفي اعتقاد المسؤول السابق في حزب جبهة القوى الاشتراكية، حسن فرلي، فإن وجود الحصانة البرلمانية هو ما يفسر تكالب رجال الأعمال على تصدر القوائم الانتخابية لأحزاب السلطة مقابل دفعهم لأموال طائلة فيما يعرف في الجزائر بـ”المال السياسي”.
ويبرز فرلي في تصريح لـ”عربي21″، أن الهدف من الوصول إلى البرلمان لم يكن تمثيل الشعب بقدر ما هو التمتع بامتيازات المنصب وعلى رأسها الحصانة البرلمانية التي تعد رخصة لممارسة الفساد بدون محاسبة.
ويشير السياسي إلى أن هناك عدة نماذج لمقاولين تنصلوا من العقاب لتمتعهم بالحصانة رغم أنهم كانوا متورطين في قضايا صدرت فيها أحكام قضائية، لكنه لا ينفي في المقابل وجود برلمانيين شرفاء لم يستعملوا هذا الامتياز لمطامع شخصية.
مراجعة مفهوم الحصانة
ويشير مصطفى عطوي رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد، إلى أن “الحصانة البرلمانية هي أحد أسباب استفحال الفساد كونها تحول دون مساءلة البرلماني على ما اقترفه من فساد، وهي أحد مكونات الفساد السياسي الذي يُعدّ أم الخبائث”.
ويوضح عطوي في تصريح لـ”عربي21″، بأن الحصانة في الدول الديمقراطية التي تتمتع بقضاء مستقل ليست مشكلا في حد ذاته، لأنها لا تمنع القضاء من تحريك الدعاوى العمومية في حق الوزراء أو البرلمانيين.
لذلك، يعتقد المتحدث أن ظاهرة استعمال الحصانة في مخالفة القانون، ترتبط أساسا بطبيعة النظام الحالي المبني على الفساد واستغلال المناصب والنفوذ، وتنتهي عندما يتم بناء دولة القانون والمؤسسات التي يتساوى أمامها جميع المواطنين.
ويتلاقى هذا الرأي مع من يرون بأن الأولوية اليوم هي في الدفع نحو التغيير الجذري للنظام مثلما يطالب الحراك الشعبي، وعدم الالتفات للمظاهر الجانبية التي تولدت عن الحكم الأحادي طيلة السنوات الماضية.
دعوة لإلغاء الحصانة
ويعلق البرلماني السابق عدة فلاحي على هذا الموضوع، بالقول إن الحصانة في الدول الديمقراطية تكون محصورة ومحددة في إطار المهام التشريعية حتى لا يكون النائب عرضة للابتزاز أثناء دفاعه على المواطنين وكشفه لقضايا الفساد.
ويوضح النائب السابق في تصريح لـ”عربي21″ أنه ناضل لما كان في البرلمان من أجل تقييد الحصانة وعدم إطلاقها بحيث يكون النائب فوق القانون حتى في القضايا التي تخرج عن سياق مهامه.
ولا يُخفي فلاحي أن موقفه الأخير قد تطور بعد تفجر قضايا الفساد الأخيرة، فلن يعد يطالب بتقييد الحصانة وإنما بإلغائها تماما حتى لا يكون للنائب أي امتياز بحكم المنصب الذي يتقلده.
ويدافع النائب السابق عن فكرته قائلا: “بفعل الاستغلال الحاصل لمنصب النائب في تحقيق المصالح الشخصية وخدمة لوبيات بطرق غير قانونية أضرت بسمعة البلاد بالمؤسسة البرلمانية، أضحى من الضروري إسقاط الحصانة البرلمانية حتى لا تستغل في الإطار غير الشرعي ولغير ما سنت له”.
وهذا الإلغاء في حال ما تم مستقبلا، فإنه وفق قراءة فلاحي، سيُزهد الفاسدين في التسابق على مقعد البرلمان ويعيد إلى المؤسسة التشريعية ثقلها ووزنها في الحياة السياسية.