الصحافة _ كندا
عبدالرحمان عدراوي
أثرت الأزمة الاقتصادية التي ضربت معظم اقتصادات العالم قبل عشر سنوات على قطاعي توزيع المحروقات، والنقل الطرقي بشكل خاص في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، حيث عاشت شركات كبرى أزمة مالية خانقة أرغمت مالكيها على بيع حصص منها أو إحالتها على الإفلاس.
مصائب الشركات المتخصصة في توزيع المحروقات والنقل الطرقي، كانت بمثابة فرصة أمام مستثمرين جدد دخلوا القطاع بأعداد كبيرة، و رساميل جد هام، فمن هم المستثمرون الجدد؟ ومن أين جاؤوا بالأموال الطائلة التي استثمروها في كل من أمريكا وكندا ؟
تعتبر جمعيات المجتمع المدني واحدة من الآليات التي تستعملها بعض الدول من أجل بسط سيطرتها الاقتصادية على دول أخرى، وفي بعض الأحيان من أجل بسط نفودها السياسي في دول لها مصالح مشتركة معها، وتعتبر الهند رائدة في هذا المجال على الصعيد العالمي، حيث تدعم جمعيات مهاجريها في مختلف ربوع العالم، وبمبالغ كبيرة جدا.
الجمعيات تشتغل بشكل جد منظم
معظم المهاجرين الوافدين إلى كل من كندا والولايات المتحدة الأمريكية هم من حاملي الشهادات العليا، وبمجرد وصولهم الى أرض المهجر، تستقبلهم جمعيات المجتمع المدني، حيث توفر لهم الإيواء الطعام يالمجان، وتوجههم نحو إحدى مدارس تعليم سياقة الشاحنات التابعة هي الأخرى المواطنين هنود، وبعد حصولهم على رخص السياقة المهنية، يتم توفير منصب الشغل لهم في شركة نقل هي الأخرى قي ملكية رجل أعمال هندي.
ما هي إلا سنوات قليلة حتى تجد ذات السائق قد أصبح مالكا لشاحنته، ثم اثنان، فثلاثة، فأكثر، كل ذلك بمساعدة فرق التوجيه التي استقبلته يوم وصوله إلى أرض المهجر، ليتحول هو نفسه إلى رجل أعمال يشغل السائقين الهنود، القادمين حديثا من بلدهم الأصلي.
مصائب قوم عند قوم فوائد
وعندما ضربت الأزمة الاقتصادية بقوة، اضطر عدد من مالكي شركات النقل الطرقي، ومحطات توزيع المحروقات، والفنادق، ومتاجر البيع بالتقسيط… إلى بيع مشاريعهم التجارية، فكان أول المشترين هم رجال الأعمال من أصل هندي، لأنهم كانوا يسندون من طرف حكومة بلدهم الأصلي، عن طريق جمعيات المجتمع المدني، التي توفر السيولة اللازمة للاستثمار.
السيطرة على الصناعات التحويلية
مع مطلع القرن الواحد والعشرين، عرفت الهند نموا اقتصاديا كبيرا جعلها تدخل خانة الاقتصادات العشر الأولى عالميا في وقت وجيز، وكانت بحاجة ماسة إلى مادة الألمنيوم بسبب كثرة الطلب في صناعة السيارات، فتحول رجال الأعمال الهنود بكندا وخاصة بمدينة تورونتو الى مالكين لشركات إعادة تحويل العربات، حيث يتم ملؤها في الحاويات ثم ترسل الى الهند من أجل استخراج منها ما يلزم من مادة الألمنيوم.
المعابد تؤطر الجالية الهندية
وأثناء جولة في ضواحي تورونتو، يمكنك أن تلاحظ العدد الهائل للمعابد الخاصة بالديانة البودية، حيث تحتل معظمها مساحات كبيرة جدا، في مناطق معروف عليها أن العقار فيها يباع بأغلى الأسعار، حيث تقوم بدور التأطير الديني للجالية الهندية، إضافة إلى احتضان جمعيات المجتمع المدني وتوجيهها لخدمة مصلحة البلد الأم اولا، ولم شمل الجالية الهندية، دون إغفال الدور الفعال وسط مختلف مناحي الحياة في بلد الهجرة.
بفضل وحدة الصف وسط الجالية الهندية المقيمة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، أصبح عدد السائقين الهنود في قطاع النقل الطريق كبيرا جدا، وبات رجال الأعمال الهنود من الفاعلين والمأثرين الكبار في عمليات بيع وشراء صفقات النقل بين مختلف ربوع البلدين، وأينما حللت أو ارتحلت على امتداد الخط الرابط بين شرق وغرب شمال القارة الأمريكية، تجد الهنود في خدمتك، سواء في المتاجر، أو محطات توزيع الوقود، أو الفنادق…
نتيجة لوحدة الصف في وسط الجالية الهندية، وصل منهم أفراد إلى مراتب عالية في أجهزة الدولة بكل من كندا وأمريكا، حيث كان منصب وزير الدفاع بكندا في حكومة تريدو الأولى من حظ “هارجيت سينغ”، الهندي الأصل، بينما باتت الجالية الهندية قوة ضاربة في كل من الحقل الاقتصادي، والسياسي على وجه الخصوص.
وفي الأخير، لا يسعنا إلا أن نبكي حظنا مع حكومات بلداننا المغاربية، والتي تنهج سياسة فرق تسود حتى في أوساط الجاليات خارج البلدان الأصلية، حبث تتفنن في اختلاق النزاعات بين زعماء الجاليات في مختلف البلدان، وتدفع بالتافهين إلى الواجهة، على أساس أن لهم ولاء للحكام ومعاونيهم، والنتيجة الحتمية، جاليات تتقاتل فيما بينها على كسب رضا النافدين في البلدان الأصلية، من أجل الحصول على امتيازات مادية بخسة، بدل خدمة الجالية وتقويتها، لدرجة أن الأحزاب السياسة في كل من كندا وأمريكا لا تكاد تضرب أي حساب للجاليات المغاربية لأنها تعرف مسبقا أن هاته الأخيرة لا تصوت، ولا تنفع ولا تضر.