الصحافة _ سعيد بلخريبشيا
أشعل التحكم في عجز الميزانية، وضبط التوازنات الماكرو اقتصادية ورفع أجور الموظفين من الميزانية العام وتعويم الدرهم والتقويم الهيكلي، حربا علنية بين والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري ووزير الإقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة محمد بنشعبون، الذي يعتبر أن التحكم في عجز الميزانية، تحقق في ظل الإجراءات الاجتماعية التي شهدتها 2019 وأن التقويم الهيكلي لا يأتي من عجز الميزانية، بل يأتي من مشكلة العملة الصعبة، مشددا على ضرورة تسيير المديونية بتدبير معقلن»، وهو ما يعاكس رأي الجواهري الذي اعتبر أن الحوار الاجتماعي رفع من عجز الميزانية، وعبر صراحة عن القلق من الدعوات التي تحث على التوسع في عجز الميزانية والتضخم واللجوء للاقتراض من الخارج من أجل ضح حيوية أكثر في الاقتصاد الوطني، حيث يستحضر سنوات التقويم الهيكلي، داعيا إلى تفادي توفير الشروط التي تفضي إلى الخضوع لإملاءات المؤسسات المالية الدولية.
هذه الحرب المعلنة بين والي بنك المغرب ووزير الإقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، والتي اشتدت مؤخرا على وسائل الإعلام، فسرها خبير إقتصادي لجريدة “الصحافة” الإلكترونية، بكون أن الصراع بين المسؤولين الماليين والإقتصاديين بالمغرب وهو صراع بين مدرستين اقتصاديتين معروفتين نظريا ومتناقضتين في الاقتصاد السياسي، مشيرا إلى أن وزير الإقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة ينتمي للمدرسة الاقتصادية “الكينيزية” فيما أن والي بنك المغرب ينتمي للمدرسة “الماكرو اقتصادية”.
وأفاد ذات الخبير الإقتصادي أن “الكينيزية” كنظرية لتدبير الأزمات الإقتصادية لا يهمها العجز بل هي تخلقه لتوزيع مداخيل جديدة تشجع الاستهلاك والإنتاج والاستثمار، وبالتالي ترفع نسب التضريب، وهي مغامرة في طلب القروض، الشيء الذي قد يضع الدولة تحت مزيد من شروط المؤسسات المالية الدولية كما وقع في سنوات الثمانينيات مع التقويم الهيكلي المفروض من قبل مؤسسات “بريتون وودس”، وتأثير ذلك حتى على التعليم وبداية الخوصصة وإصلاح النظام الجبائي وغيرها، فيما أن “الماكرو اقتصادية” غير مغامرة تعمل للحفاظ على التوازنات مخافة أن تضع الدولة نفسها تحت ضغوطات المقرضين سياسيا.
وشدد نفس المصدر لجريدة “الصحافة” الإلكترونية على أن المدرسة “الكينيزية” التي ينتمي إليها وزير الإقتصاد والمالية محمد بنشعبون، لا تنجح في الأنظمة السياسية غير الديمقراطية، عكس المدرسة “الماكرو اقتصادية” التي يتنمي لها والي بنك المغرب ذلك أن طريقة تحكمها في الاقتصاد وتوجيهه ليتناسب مع الأنظمة المركزية المؤسسة على مركزة السلطة.
وأورد نفس المصدر، أن هذا يُؤكد صوابية موقف والي بنك المغرب بإعتبار أنه يعي جيدا النماذج الإقتصادية التي تليق ببلد كالمغرب، فيما أن وزير الإقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة يعتبر أن “المغرب بحال البنك الشعبي عطي لكريديات الاجتماعية وانتظر الربح..”
وشدد المصدر ذاته على أن تدبير الأزمات الإقتصادية مرتبطة بالنظام السياسي وطبيعة ومسارات صناعته للقرارات هل هي عمودية أم تشاركية من تم يتم اختيار مناهج تدبير المالية العمومية، مستدلا في ذلك بالمادة 77 من دستور 2011، التي تنص على الحفاظ على التوازنات المالية الكبرى للدولة، حيث لا يسمح مثلا بتنفيذ خطط ذات عمق كينيزي، وأن أي نموذج تنموي في شقه الإقتصادي سيظل محكوما بهذه القاعدة الدستورية، اللهم إلا إذا تم تعديلها للسماح بمرونة كبيرة في الاختيارات حسب الظروف العامة.
وهذا يُفيد حسب مصدر جريدة “الصحافة” الإلكترونية، ما معناه أنه أمام مثل هذه القواعد سنظل مسيٌجين في اختيارات النموذج التنموي السابق، سنبقى في نفس السياق الحالي ومسموح فقط بالبحث عن فرص تنموية اقتصادية جديدة ظرفية ليس إلا.
وأكد ذات المصدر أن هذه القاعدة الدستورية السامية والملزمة هي نتاج اختيار اقتصاد سياسي في شقه المتعلق بفلسفة الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية، وبذلك يضيف المصدر نفسه أنه غير متاح أي تعديل في النموذج التنموي الاقتصادي في اتجاه الرفع من وظيفة الدولة في الدعم الاجتماعي وتوزيع مداخيل جديدة متنوعة لتشجيع الاستهلاك، وبالتالي تشجيع الإنتاج والاستثمار ولو سبب ذلك عجزا في الميزانية قد يكون مفيدا على المدى المتوسط. لذلك ستظل العناصر المحافظة المؤسسة للنموذج السابق الذي تم الاقرار بفشله في عدة مجالات، ستظل مؤطرة لأي مبادرات تنموية جديدة.
وهكذا، وحسب ما سبق ذكره فإن اختيارات محمد بنشعبون فيما يخص عدم الاكثرات بالتوازنات المالية كمقتضيات مدرجة في قانون المالية غير دستورية تتعارض مع المادة 77 من الدستور التي تنص على أن البرلمان والحكومة يسهران على الحفاظ على توازن مالية الدولة. وللحكومة أن ترفض، بعد بيان الأسباب، المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود.