الصحافة _ الرباط
تحدثنا سابقا عن انهيار مؤسسات جبهة البوليساريو عقب إعلان الحرب ، وصراع القيادة على المناصب بعد مرض غالي ونقله الى اسبانيا ، كما تطرقنا لتدخل الجزائر بشكل مباشر في تسيير مؤسسات البوليساريو بعد غياب غالبية القيادة بسبب الاصابة بكورونا، وما تلاه من تطاول عشوائي على المؤسسات والتحكم فيها من طرف قادة في الصف الثاني ، لأن الكل كان يتوقع موتا سريعا لابراهيم غالي ، فخشي الجميع من الجميع، وبدأ القتال على المناصب، بين الأجنحة المدنية والعسكرية، وداخل الأجنحة نفسها.
ما يسمى بوزارة الخارجية التابعة لجبهة البوليساريو لم تسلم هي الأخرى من الصراع، وتأثرت بغياب ابراهيم غالي وبعض القادة ممن كانوا يجنبون الوزارة الكثير من المشاكل ، كما تأثرت الوزارة بالحرب المعلنة من طرف واحد، وفشلت دبلوماسيا في تسويقها ، وجلب تعاطف دولي، ما جعل أطرها ودبلوماسييها يتصارعون فيما بينهم على الظهور بشكل منفرد ، ويتبرأون من الفشل المحدق بالوزارة الأكثر تمويلا داخل جبهة البوليساريو.
انقسمت وزارة الخارجية الى أجزاء، ولم يعد بينها تنسيق من أي نوع، وصار كل حلف ينافح عن نفسه، ويسوق ما يريد ، ويعلن عما يريد بالقنوات التي يريد وقتما يريد، وظل ما يسمى وزير الخارجية في حيص بيص ، فاقدا للأهلية، منبوذا لا يعرف ما يفعله.
أصبحت وزارة الخارجية برأسين ، وصار التنافس على الظهور الاعلامي السمة البارزة لتبني الانجازات المفقودة ، والتسابق على اعداد وتنظيم الندوات تحت مسميات متعددة ، لا علاقة لها بالتنسيق المفترض دبلوماسيا ، ومع غياب ابراهيم غالي استفحلت الظاهرة ووصلت حدودا لا تطاق.
أبي بشرايا البشير السفير الممثل البوليساريو بأوروبا ، انفصل نهائيا عن وزارة الخارجية، وأصبح يتحرك بمعزل تام عنها ، ويحاضر ويشارك في الاعلام بصورة منفردة، بل تخطاها لينظم الندوات والتظاهرات دون أي تنسيق مع أحد ، لكن ما لم يكن متوقعا أن يخرج عن المعتاد ، ويطلق على نفسه اسم “وزير ” ، فاضحا حبه للمناصب وسعيه الحثيث للحصول عليها، لدرجة أن يرضى إلصاق تلك الصفة الى جانب اسمه ولو أنه يعرف أنها تزوير واحتيال وتدليس ، واحتقار للمسؤول عنه ، لكن لا يهمه سوى الظهور ، والتفاخر ، واستغلال غياب زعيم البوليساريو ، لينفس عن رغباته وطموحاته .
لم يقتصر ممثل البوليساريو بأوروبا ، على تسمية نفسه وزيرا ، بل تخطاها لينظم ندوة لمجموعة جنيف لدعم الصحراء ، واختار لها موضوع : ” الأسباب الجذرية لفشل الامم المتحدة في السعي لتقرير مصير الشعب الصحراوي وكيفية المضي في تفعيل مساره ” .
لن نتحدث عن تقرير المصير والمغالطات المعروفة في شرحه وطريقة تبنيه ، واستغلاله للدفاع عن رأي واحد، وعن اقصاء الحكم الذاتي كوجه من أوجه تقرير المصير ، وكحل ناجح للنزاع المفتعل حول الصحراء ، ولكن سنناقش ما يهمنا في الموضوع المعالج ، فممثل البوليساريو ، عمم ملصقا خاصا بالندوة ، تضمن صفة لا تعترف بها البوليساريو في وثائقها وليس له الحق فيها وهذا ما زاد من الصراع مع وزير خارجية البوليساريو ، حيث قدم نفسه ” وزيرا مكلفا بأوروبا ” ( انظر الصورة المرفقة) ، ومن جهة أخرى ، الندوة التي نظمت يوم أمس الأربعاء ، اختير لها موضوع له علاقة بالأمم المتحدة، وجبهة البوليساريو لا تقبل بأي حال الخوض في هذا الموضوع ، وتخص به مندوبها لدى الأمم المتحدة ، أو وزير الخارجية، وهو ما يعرفه كل الدبلوماسيين والممثلين للجبهة، وسبق أن كان محل مراسلات صارمة من القيادة وابراهيم غالي بالخصوص ، بضرورة الابتعاد عن هذا الموضوع وعدم فتح الباب للنقاش فيه.
وزير الخارجية محمد سالم ولد السالك الذي فشل في ترويض سفيره المتمرد ، لم يجد ما يفعله غير البحث عن ظهور اعلامي لنفسه ، يبرز من خلاله وجوده، فأجرى أول أمس لقاء مع قناة “روسيا اليوم” ليرد على السفير المتمرد الذي تجاوز قيادته، ولم يعد يملك الصبر للبوح بطموحه في الحصول على منصب وزاري، ولو تطلب الامر التطاول على اختصاصات من يرأسه، فقد أعماه السعي وراء المناصب ، وحب الظهور، والتفاخر ، وأصيب بالنرجسية، ومرض نسب الأمور لنفسه، فوقع في المحظور ويساعدنا في الاطلاع على جزء عن الصراع الخفي بين أطر وقيادات البوليساريو ، الذين ما عادوا قادرين على إخفاء صراعهم ، فانطلقوا في كيل الشتائم لبعضهم ، والكيد، و التلاسنات، والاتهامات المتبادلة ، وتجييش الأتباع للدفاع عن طرف على حساب الآخر.
*منتدى فورساتين
