الصحافة _ كندا
في زمن تُختصر فيه الحقيقة بعدد المشاهدات، ويُقاس التأثير بضجيج اللحظة، لا حديث يعلو فوق سطوة “الترند”. هذا الهوس العالمي، الذي اجتاح منصات التواصل، لم يمرّ دون أن يترك بصمته على السلوك الرقمي اليومي للمغاربة، حيث صار فيديو عابر يُشعل النقاش، ويُعيد رسم الأولويات، حتى لو كان محتواه بلا مضمون ولا هدف.
المغرب، كما باقي دول العالم، بات يعيش تحت وطأة ثقافة “الترند”، حيث تحولت تيك توك وإنستغرام وفيسبوك إلى ساحات تنافس لا ترحم، يتسابق فيها المحتوى التافه والجاد على حد سواء، ويتساوى فيها الجدل العقيم مع قضايا الرأي العام.
في هذا السياق، عبّر مهدي عامري، الأستاذ الباحث في المعهد العالي للإعلام والاتصال، عن قلقه من الطوفان الرقمي الذي “لا يفرّق بين التافه والعميق، ولا بين الضحك الهادف والسخرية المبتذلة”. في تصريح صحفي رسم عامري صورة قاتمة لواقع التأثير في المغرب، مؤكدًا أن “الترند” لا يُربّي على النقد، بل يُغري بالتقليد، لا يشجّع على التأمل، بل يروّج للردود الجاهزة.
ويحذّر الخبير في الذكاء الاصطناعي من أن هذه الموجة تعيد صياغة معنى النجاح لدى فئة واسعة من الشباب، حيث بات “الحلم الأكبر هو أن أصبح مؤثّرا، لا أن أكون طبيبًا أو مهندسًا أو كاتبًا”، في تحول مقلق يعكس تراجعًا في منظومة القيم والطموحات.
ويرى عامري أن الظاهرة لا يمكن اختزالها في الشباب فقط، بل تتقاطع فيها مسؤوليات الإعلام الذي فقد بوصلته، والتعليم الذي لم يعد يغذّي التفكير النقدي، والنخب التي فشلت في ابتكار خطاب بديل قادر على جذب انتباه الأجيال الصاعدة.
ومع ذلك، لا ينكر عامري أن الترند في بعض الأحيان قد يكون مرآة لنبض المجتمع، ورافعة رمزية لقضاياه، بل أداة احتجاج رقمي ضد التجاهل المؤسساتي، حين تتحوّل التدوينة العابرة إلى شعلة تُنير ملفًا منسيًا، أو تصنع تضامنًا مع قضية عادلة.
في خلاصة الموقف، يقتبس عامري من المفكر البرازيلي باولو فريري مقولته الشهيرة عن “التربية كتحرير”، ليؤكد أن الترند، ورغم هشاشته، يمكن أن يتحول إلى أداة للتعبير والتحرر، شريطة أن يرتبط بالوعي، لا بالفراغ. فالخطر الحقيقي لا يكمن في المنصة، بل في الغياب الجماعي للمعنى.