البام يرقص على جراح الحكومة.. استغلال سياسي بملامح انتخابية مبكرة!

6 أكتوبر 2025
البام يرقص على جراح الحكومة.. استغلال سياسي بملامح انتخابية مبكرة!

الصحافة _ كندا

في عزّ العاصفة الاجتماعية التي تهزّ الشارع المغربي منذ اندلاع احتجاجات “جيل Z”، اختار حزب الأصالة والمعاصرة أن يواصل هوايته المفضّلة: الركوب على الأمواج السياسية كلما اشتدّ الطوفان.

فبدل أن يتحمّل الحزب مسؤوليته الكاملة كشريك أساسي في الحكومة، بدأ في توزيع الأدوار بين التبرؤ من السياسات الحكومية والتودّد للشارع الغاضب، في مشهد يختزل مدرسة الانتهازية السياسية في أبشع صورها.

ومنذ الأسابيع الأولى للاحتجاجات، تحرّك “البام” بشكل غير مسبوق، محاولاً تقديم نفسه كـ“البديل العاقل” وسط فوضى السخط الشعبي، في وقت يعرف فيه الجميع أن الحزب أحد الأعمدة الثلاثة للتحالف الحكومي الذي يقوده عزيز أخنوش.

فمنسقته الوطنية فاطمة الزهراء المنصوري كانت أول من مهّد لهذا التحول الخطابي، عندما خرجت لتؤكد “مشروعية الاحتجاجات” وتعترف بفشل الحكومة في التواصل مع الشباب، في خطوة قرأها كثيرون كمحاولة لتبرئة الحزب من مسؤولياته داخل الأغلبية، وإعادة تموقعه على أطلال “الأحرار” المنهكين.

ثم جاء الدور على المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، الذي ظهر على قناة “ميدي 1” ليعلن وجود “اتصالات مع المحتجين”، وكأنه وزير معارض داخل حكومة يشارك في تسييرها! وبعدها تحركت الشبيبة الحزبية دوليًا، حيث ظهر رئيسها صلاح الدين عبقري في قنوات فرنسية، مقدّمًا نفسه كصوت الشباب المغربي الجديد، في حملة علاقات عامة مصممة بعناية لتسويق صورة الحزب في الخارج وكأن “البام” هو المنقذ القادم من داخل النظام نفسه.

لكن المشهد بلغ ذروته عندما قدّم النائب البرلماني عن الحزب محمد التويمي بنجلون استقالته من مجلس النواب، في خطوة حاول تسويقها كـ“موقف مبدئي” تضامناً مع مطالب الشارع. غير أن المتتبعين رأوا في هذه الاستقالة مجرّد حلقة جديدة في مسلسل “الشعبوية البامية”؛ خطوة سياسية محسوبة لإرسال إشارات انتخابية مبكرة وتبييض صورة الحزب أمام الرأي العام.

فالبرلماني الذي استفاد من امتيازات المؤسسة التشريعية لسنوات، لم يتذكّر فجأة “تطلعات الشباب” إلا حين اهتزت الحكومة التي ينتمي إليها حزبه، وكأن الاستقالة جاءت لتلميع الحزب في لحظة انكسار حليفه السياسي أكثر من كونها موقفاً أخلاقياً حقيقياً.

وبهذه الخطوات المتناسقة — من تصريحات المنصوري وبنسعيد، إلى جولات الشبيبة في الإعلام الأجنبي، وصولاً إلى “الاستقالة المسرحية” لبنجلون — يثبت “البام” أنه يتقن لعبة الانحناء للعاصفة دون أن يبتلّ. فالحزب الذي يتقاسم المسؤولية في كل السياسات الحكومية الكبرى، يحاول اليوم التملص من تبعاتها، مقدماً نفسه كـ”صوت الشارع” في وجه حكومة هو جزء منها.

إنها الشعبوية في أبهى صورها: حزب في الحكومة ينتقد الحكومة، يتحدث باسم الغاضبين وهو أحد أسباب غضبهم، ويستعدّ مبكرًا لانتخابات لم تُعلن بعد.

إن هذه الازدواجية الخطيرة لا تعني سوى شيء واحد: أن “البام” يحاول إنقاذ نفسه من الغرق ولو على حساب مصداقية العمل السياسي بأكمله.

وفي الوقت الذي تنتظر فيه البلاد وضوحاً وشجاعة سياسية، يصرّ بعض قادة الحزب على تسويق أوهام جديدة، وكأن المغاربة لا يتذكرون أن “البام” كان دوماً جزءاً من المشهد الذي أوصل البلاد إلى هذا الاحتقان. فمهما بدت التحركات محسوبة وذكية إعلاميًا، فإن الرأي العام يدرك أن من يرقص فوق جراح الوطن، لا يمكنه يوماً أن يكون طبيباً لجراحه.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق