الصحافة _ كندا
بأسلوب هادئ، وبنظرة الواثق الذي يعرف وزن الكلمة وحدود القانون، حضر الأمير مولاي هشام العلوي إلى المحكمة الابتدائية بالرباط، كمواطن مغربي قرر أن يضع حدا لفوضى الاتهام المجاني التي تجتاح فضاءنا الرقمي.
لم يأتِ محاطاً بالمظاهر ولا محصّناً بالألقاب، بل جاء مسلّحاً بشيء واحد: الحق في الردّ بالقانون.
إن القضية التي رفعها ضد اليوتيوبر محمد رضا الطاوجني تتجاوز الأشخاص، وذلك باعتبار أنها لحظة فاصلة بين زمنين: زمن كان فيه الاتهام سلاحاً بلا رقيب، وزمنٍ بدأ فيه الضحايا يقولون كفى.
فحين يخرج شخص ليتحدث عن “تحويل مئات الملايين من الدولارات” دون وثيقة ولا مصدر، فهو لا يمارس حرية الرأي، بل ينتحلها. لأن الحرية حين تنفصل عن المسؤولية، تتحول إلى فوضى، والفوضى إلى دمار للمعنى.
الأمير مولاي هشام لم يرد على الإساءة بفيديو أو بمنشور غاضب، بل لجأ إلى القضاء. وهذا وحده موقف راق في زمن التفاهة الرقمية، حيث اختار أن يقول بصمته الهادئ: من لديه ما يثبت، فليقدّمه أمام القاضي، لا أمام الكاميرا. ومن يريد الحقيقة، فليطلبها بالوثائق لا بالشعارات.
وفي تصريح مقتضب أمام الصحافة، قال الأمير: “القانون واضح: لا ادعاءات دون أدلة”، وهي جملة تختصر كل ما ضاع في ضجيج المنصات من قيم النزاهة والمسؤولية.
فليست القضية هنا قضية “أمير” و”يوتيوبر”، بل صراع بين ثقافة البرهان وثقافة الادعاء.
لقد حاول البعض أن يختزل المشهد في رمزيته العائلية، وأن يقرأ حضور الأمير بصفته ابن عم الملك لا بصفته مواطناً. لكن الحقيقة أبسط وأعمق في الآن نفسه: الرجل اختار طريق القانون، لأنه يعرف أن الملكية الحديثة لا تُبنى على الامتيازات، بل على احترام المؤسسات، ومثوله أمام القضاء كان درساً في التواضع القانوني، وفي الثقة بأن الحقيقة لا تحتاج إلى عرش كي تُقال.
أما الطرف الآخر، فاختار أن يختبئ وراء غموض “مصادره” وعباراته الملتبسة. وهو سلوك قد يثير الإعجاب في مقاطع اليوتوب، لكنه لا يصمد دقيقة في محراب المحكمة. لأن العدالة لا تشتغل بالانفعالات، بل بالأدلة، ولا تزن الأصوات بعدد المتابعين، بل بوزن الحقيقة.
إن الواقعة في جوهرها ليست سوى صراع بين ثقافتين: ثقافة الكلمة المسؤولة التي تحترم كرامة الناس، وثقافة المحتوى السريع الذي يستهين بكل شيء من أجل المشاهدة. وما فعله الأمير مولاي هشام هو أنه أعاد تعريف “الردّ الشريف”: لا بالسباب، ولا بالهجوم، بل بالثقة في قضاء يُنصت للمنطق لا للضجيج.
وفي وقت تُهدر فيه الحقائق على قارعة اللايفات، جاء الأمير مولاي هشام ليقول شيئاً بسيطاً وعميقاً: الدفاع عن الشرف لا يكون بالصوت المرتفع، بل بالوثيقة الصادقة.
ومن هنا، يمكن القول إن الأمير لم ينتصر على خصمه، بل على زمنٍ كامل من اللامسؤولية.
انتصار للمعنى، على الضجيج.