الأمن المغربي يضرب من حديد ويُجهِض المخطط قبل الانفجار… علو كعب استخباراتي يُربك داعش في قلب الرباط

28 يونيو 2025
الأمن المغربي يضرب من حديد ويُجهِض المخطط قبل الانفجار… علو كعب استخباراتي يُربك داعش في قلب الرباط

الصحافة _ كندا

لم تكن العملية الأخيرة التي نفذها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، بناءً على معلومات دقيقة وفرتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، مجرد توقيف روتيني لمشتبه فيها في قضايا التطرف، بل هي محطة نوعية تُبرز عمق التحول في طبيعة التهديد الإرهابي، ودقة الاستراتيجية المغربية في مواجهته.

ففي قلب العاصمة الرباط، تم تفكيك خلية إرهابية فردية يقودها عقل أنثوي شاب، لا يتجاوز عمره 21 سنة، كانت تستعد لتنفيذ عملية نوعية تستهدف منشأة دينية، باستخدام تقنيات بالغة التعقيد ترتبط بتحضير المتفجرات والمواد السامة. المؤشر الأول الذي تطرحه هذه الواقعة هو مدى تطور أساليب التنظيم الإرهابي “داعش”، الذي بات يعوّل على الذكاء الفردي أكثر من البنية الهرمية، ويستقطب عناصر من فئة النساء والشباب ممن يتمتعون بكفاءات تقنية دقيقة، قادرة على تنفيذ عمليات تخريبية بوسائل غير تقليدية.

هذه الواقعة تضع أمامنا دلالات عميقة في ما يخص مسار التهديدات الإرهابية في الفضاء المغاربي والأورو-متوسطي. الفتاة الموقوفة، طالبة بمعهد تقني عالي، لم تكن فقط مستهدفة فكريًا، بل كانت مؤهلة لتوظيف مهارات علمية في تنفيذ أجندة تدميرية.

ولعل الأخطر أن هذا المشروع الإجرامي لم يكن في بداياته، بل وصل إلى مرحلة متقدمة، ما يؤكد أن العناصر الإرهابية أصبحت تشتغل في صمت، وفي محيطات مجتمعية لا تثير الريبة، مستفيدة من الفضاء الرقمي والتقنيات الحديثة لإخفاء آثارها. لكن النتيجة تؤكد، مرة أخرى، أن المدرسة الاستخباراتية المغربية، التي راكمت عقودًا من العمل الميداني والاختراق واليقظة التقنية، قادرة على كشف هذه التحركات قبل أن تصل إلى طور التنفيذ. وهنا تتجلى أهمية العمل الاستباقي الذي لا يكتفي بالمواجهة، بل يشتغل بمنطق الاستشراف والتحليل والاختراق الفكري والمعرفي.

إن تحليل هذا النوع من العمليات الأمنية يفضي بنا إلى استخلاص حقيقة جوهرية: المغرب ليس في وضعية دفاع، بل هو في حالة سيطرة استخباراتية متقدمة. فالقدرة على كشف التهديد في بدايته، وتتبع مساراته الرقمية والسلوكية، ثم التدخل في الوقت المناسب، تتطلب منظومة أمنية محكمة، تنسج التنسيق الداخلي والخارجي، وتُزاوج بين التقنيات الصلبة (الرصد والتدخل) والناعمة (التحليل النفسي والاختراق المعلوماتي).

كما أن اختيار الرباط كمنطقة للتحرك من طرف المشتبه فيها، يبعث برسالة واضحة مفادها أن التنظيمات المتطرفة لم تعد تبحث عن هوامش الأطراف فقط، بل تستهدف القلب الرمزي والإداري للمملكة، في محاولة لخلق وقع إعلامي واستراتيجي يتجاوز الفعل المادي إلى توجيه رسائل سياسية وأمنية قاتمة.

غير أن المغرب، وهو يدير هذه المواجهة الدقيقة، لا يشتغل فقط على المستوى العملياتي، بل يواصل ترسيخ مكانته كفاعل محوري في المنظومة الأمنية الدولية، بفضل نجاعة أجهزته، وموثوقية تقاريره، وفعالية تنسيقه مع القوى الكبرى، خاصة فرنسا والولايات المتحدة. وهذه الثقة لا تُمنح اعتباطًا، بل تُبنى على سجل طويل من النجاحات في تفكيك الشبكات، وتأمين الحدود، وتحييد المخاطر قبل أن تتحول إلى وقائع.

كما أن هذه العملية تبرز التزام المغرب العميق بخوض الحرب على الإرهاب بمعايير قانونية دقيقة، من خلال وضع الموقوفة رهن الحراسة النظرية بإشراف النيابة العامة المختصة، في احترام تام لمقتضيات دولة القانون والمؤسسات.

في المحصلة، لا يمكن النظر إلى هذه العملية إلا بوصفها حلقة جديدة في مسار استراتيجي وطني راسخ في الدفاع عن الأمن القومي للمملكة، ومواجهة كل أشكال التهديدات الهجينة. والمؤسسات الأمنية المغربية، إذ تُثبت مرة أخرى قدرتها على التصدي للجيل الجديد من الإرهاب الذكي، تقدم دروسًا في العمل الأمني الذي لا يُقاس بعدد الاعتقالات، بل بقدرة الدولة على حماية استقرارها بنجاعة وحنكة وصرامة لا تتنازل عن القانون. إنها معركة عقول، والمغرب – بفضل يقظته الاستخباراتية – يربحها خطوة بخطوة.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق