الصحافة _ كندا
لم يعد الغلاء مجرد شعور عام أو انطباع شعبي… لقد تحوّل إلى واقع مرعب، يطرق أبواب كل بيت مغربي، ويفرض منطقه القاسي على موائد الناس، التي أصبحت تزداد فراغًا يوماً بعد آخر. ما كان في الأمس القريب من الضروريات، أصبح اليوم من الكماليات، في ظل انهيار القدرة الشرائية وعجز الأجور عن مجاراة الارتفاع الجنوني للأسعار.
من الأسواق الشعبية إلى الرفوف البراقة للمتاجر الكبرى، يكاد الجميع ينطق بنفس العبارة: “كلشي غلا… ما بقاتش قفة”. واقع لا تخطئه العين، تُثبته الأرقام الرسمية ذاتها. فبحسب المندوبية السامية للتخطيط، ارتفع مؤشر الأسعار بنسبة 3% في فبراير 2025 مقارنة بالشهر السابق، مدفوعاً بزيادات صادمة في أسعار المواد الغذائية بلغت 6%، وهو رقم كافٍ لنسف ميزانية الأسر محدودة الدخل، وحتى تلك التي كانت تُصنف ضمن الطبقة المتوسطة.
الفواكه، الخضر، السمك، الحليب، القهوة… لائحة المواد التي تضاعفت أسعارها لا تنتهي. أما المحروقات، فقد واصلت صعودها بـ1.9%، ما دفع بكلفة النقل إلى الارتفاع بدورها، وسرّب موجة جديدة من الغلاء إلى كل القطاعات الأخرى. وحتى الانخفاض الطفيف في أسعار اللحوم والزيوت لا يُحدث فرقاً يذكر وسط زوبعة الأسعار الملتهبة.
الخرائط الاقتصادية للمغرب تكشف بدورها عن اتساع رقعة الأزمة. الدار البيضاء وفاس في صدارة المدن المتضررة بزيادة بلغت 0.6%، تليهما الرباط ومكناس ومدن أخرى، في حين أن بعض المناطق مثل كلميم ومراكش وآسفي لم تُسجّل سوى انخفاضات هامشية لا تُغير شيئاً في الصورة العامة.
أمام هذا الوضع المتأزم، تبدو الحكومة شبه غائبة عن المشهد. لا خطط واضحة، لا إجراءات ملموسة، ولا قدرة على الحد من تغوّل لوبيات الأسعار. كل ما تقدمه هو تبريرات جاهزة تلقي باللائمة على السوق الدولية والظروف العالمية، في حين أن غياب الرقابة، وسوء تدبير منظومة الدعم، وارتباك مسالك التوزيع، كلها عوامل داخلية تُعمّق الأزمة وتُضعف ثقة المواطنين في قدرة الحكومة على الإنقاذ.
المؤشرات الاجتماعية تنذر بالخطر: توسّع رقعة الفقر، اندثار الطبقة الوسطى، وتصاعد الاحتقان في الشارع المغربي. الغلاء لم يعد مشكلة اقتصادية فقط، بل صار تهديداً مباشراً للسلم الاجتماعي وللأمن المعيشي للملايين.
فهل تملك الحكومة الشجاعة لاتخاذ قرارات حقيقية توقف هذا النزيف؟ أم أننا أمام مرحلة جديدة عنوانها: “العيش في المغرب… لمن استطاع إليه صبراً”؟