الصحافة _ بقلم: محسن الندوي*
البعد الاقتصادي:
الخطاب الملكي بدأ بالبعد الاقتصادي لأهميته و تناول مفهوم ” الصاعد ” لأهميته من خلال عبارات ، المغرب الصاعد، نادي الدول الصاعدة، اقتصاد صاعد، بلد صاعد ، و هو ما يدل على طموح المغرب تعزيز مكانته ضمن نادي الدول الصاعدة.
ثم ذكر الخطاب الملكي بأن ما وصل إليه المغرب اليوم من تقدم مغرب موحد ومتضامن و ما حققه من تنمية اقتصادية هو نتيجة رؤية بعيدة المدى. من خلال النهوض بالتنمية الاقتصادية والبشرية الشاملة. و الهدف هو بناء اقتصاد تنافسي، أكثر تنوعا وانفتاحا؛ وذلك في إطار ماكرو – اقتصادي سليم ومستقر.
على المستوى الصناعي، يشهد المغرب نهضة صناعية غير مسبوقة، حيث ارتفعت الصادرات الصناعية، منذ 2014 إلى الآن، بأكثر من الضعف، لاسيما تلك المرتبطة بالمهن العالمية للمغرب.
وتعد قطاعات السيارات والطيران والطاقات المتجددة، والصناعات الغذائية والسياحة، رافعة أساسية للاقتصاد المغربي سواء من حيث الاستثمارات، أو خلق فرص الشغل.
على مستوى الاستثمارات، يتميز المغرب بتعدد وتنوع شركائه، باعتباره أرضا للاستثمار، وشريكا مسؤولا وموثوقا، حيث يرتبط الاقتصاد الوطني، بما يناهز ثلاثة ملايير مستهلك عبر العالم، بفضل اتفاقيات التبادل الحر.
ومما يشجع الاستثمار الأجنبي بالمغرب توفر المغرب على بنيات تحتية حديثة ومتينة، وبمواصفات عالمية آخرها تمديد خط القطار فائق السرعة، الرابط بين القنيطرة ومراكش، وكذا مجموعة من المشاريع الضخمة، في مجال الأمن المائي والغذائي، والسيادة الطاقية لبلادنا.
البعد الاجتماعي:
ان البعد الاجتماعي في الخطاب الملكي أخذ الحيز الأكبر لأهميته فعمل على التشخيص ومنح الوصفة للعلاج وعبر عن عدم الرضا من معاناة مناطق ولاسيما بالعالم القروي، من مظاهر الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية. وذلك لا يتماشى مع الرؤية الاستراتيجية الملكية في هذا الشأن، الهادفة إلى تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية. ووردت بصريح العبارة وبشكل حازم في :” لا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين.”
فاذا كان المغرب يعرف تنمية اقتصادية مهمة فلا معنى لها إذا يستفيد منها البعض دون آخر ولا معنى لها إذا لم تصل إلى جميع الجهات والمناطق ولا معنى لها إذا لم تساهم، بشكل ملموس، في تحسين ظروف عيش المواطنين، من كل الفئات الاجتماعية،
لذلك ما فتئ الملك يولي أهمية خاصة للنهوض بالتنمية البشرية، وتعميم الحماية الاجتماعية، وتقديم الدعم المباشر للأسر التي تستحقه. بمعنى لا مزايدات سياسية في هذا الموضوع فالملك تولى هذا الامر وينبغي على مجموع السياسيين ان يسيروا في هذا الاتجاه وعلى أساسه.
أما العلاج للوضع الاجتماعي المتمثل في إحداث نقلة حقيقية، في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية.
أما الوصفة للعلاج فهي دعوة الحكومة بشكل أساسي لأنها هي المعنية عن وضع السياسات العمومية إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة. ليشمل ثمار التقدم والتنمية كل المواطنين، في جميع المناطق والجهات، دون تمييز أو إقصاء.
وتوجيه الحكومة لاعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية. وينبغي على الحكومة وفق هذا المنظور تفعيل البرامج تهم على وجه الخصوص :
أولا : دعم التشغيل، عبر تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية، وتوفير مناخ ملائم للمبادرة والاستثمار المحلي؛
ثانيا : تقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية، خاصة في مجالي التربية والتعليم، والرعاية الصحية، بما يصون كرامة المواطن، ويكرس العدالة المجالية؛
ثالثا: اعتماد تدبیر استباقي ومستدام للموارد المائية، في ظل تزايد حدة الإجهاد المائي وتغير المناخ؛
رابعا : إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج، في انسجام مع المشاريع الوطنية الكبرى، التي تعرفها البلاد.
البعد السياسي:
إن البعد الاقتصادي مهم و البعد الاجتماعي مهم ولا يمكن تحقيقهما إلا بحسن تفعيل البعد السياسي، فقد أكد الخطاب الملكي في هذا الشأن، أنه مع اقتراب إجراء الانتخابات التشريعية، ضرورة توفير المنظومة العامة، المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية سنة 2025 وذلك بالإعداد الجيد، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين.
البعد الإقليمي و الدولي:
على المستوى الإقليمي
أكد الخطاب الملكي على التزام المغرب اليد الممدودة اتجاه الاشقاء الجزائريين وكما أكد موقف الملك الواضح والثابت؛ بأن الشعب الجزائري شعب شقيق، تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين، والجغرافيا والمصير المشترك.
وبكل حكمة عالية عبر الخطاب الملكي عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول؛ حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين.وذلك من أجل العمل على تجاوز هذا الوضع المؤسف. وذلك بهدف إعادة إحياء اتحاد المغرب العربي . هذا الاتحاد الذي لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر، مع باقي الدول الشقيقة تونس ولبيبيا وموريتانيا.
على المستوى الدولي، إن الخطاب الملكي يعتز بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد للنزاع حول الصحراء المغربية .وكما دأبت في العادة الخطابات الملكية تقديم الشكر للدول المساندة لمبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا للقضية. قدم الشكر للمملكة المتحدة ، والبرتغال، على موقفهما البناء، الذي يساند مبادرة الحكم الذاتي، في إطار سيادة المغرب على صحرائه، ويعزز مواقف العديد من الدول عبر العالم.
ومع التأكيد أن الحل المتوخى في قضية الصحراء هو إيجاد حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب. وإنني أرى أن الاشتغال في هذا الصدد على كسب رهان روسيا والصين في مساندتهما لمبادرة الحكم الذاتي حلا وحيد للقضية من جهة، ومن جهة أخرى الجلوس مع الجزائر في طاولة مستديرة بوساطة أمريكية أو عربية.
*رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية-