اعترف محمد السادس بفشله.. أي نموذج تنموي لتقليص الفوارق بالمغرب؟

4 أغسطس 2019
اعترف محمد السادس بفشله.. أي نموذج تنموي لتقليص الفوارق بالمغرب؟

الصحافة _ وكالات

قبل نحو سنتين، وفي خطابه أمام البرلمان، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة، دعا الملك محمد السادس، إلى إعادة النظر في النموذج التنموي لمواكبة التطورات التي تعرفها البلاد.

وقال الملك في ذلك الإطار “إذا كان المغرب قد حقق تقدما ملموسا، يشهد به العالم، إلا أن النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم، غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية”.

في خطاب العرش الأخير، مساء الإثنين الماضي، عاد الملك للحديث عن النموذج التنموي، وأكد أنه قد أبان خلال السنوات الأخيرة عن “عدم قدرته على تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين، وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية، ومن التفاوتات المجالية”، وأعلن تبعا لذلك إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي.

فما أعطاب النموذج التنموي المعتمد في المغرب؟ وما هي المرتكزات التي يجب أن ينبني عليها النموذج للجديد ليواكب حاجيات المغاربة ويجيب على متطلباتهم في هذه المرحلة؟

بين الليبرالية والفساد

بالنسبة للباحث في في المعهد المغربي لتحليل السياسات، رشيد أوراز فإن “فشل” النموذج الحالي هو “تحصيل حاصل” لعدة تراكمات، لافتا في الوقت نفسه إلى أن النموذج المذكور ليس خاصا بالمغرب إنما مستلهم من بعض النماذج العالمية.

“نحن اخترنا مباشرة بعد الاستقلال أن نتبنى نموذج الاقتصاد الليبرالي المبني على خليط بين الدولة والسوق”، يقول أوراز، مضيفا أنه “ابتداء من التسعينات اختار المغرب الانفتاح الاقتصادي والتحرير، كما بدأت موجة الخوصصة التي تخلت الدولة بموجبها عن تدبير عدد من القطاعات والمؤسسات وأعطت بالتالي السوق الحر مجموعة من الوظائف”.

غير أن المشكل، وفق المتحدث أنه “ابتداء من التسعينات إلى الآن لم تقم الدولة بالإصلاحات المؤسساتية الكبيرة كما هو الحال في الديمقراطيات الأوروبية أو في الولايات المتحدة الأميركية” ما أدى إلى أن هذا النموذج “ظل يعطي ثمارا متواضعة على مستوى النمو الاقتصادي” وهو ما تعكسه “هوامش الفقر الكبيرة ونسب البطالة العالية والبنى التحتية الضعيفة…”.

ويتابع المتحدث موضحا، أن النموذج المعتمد حاليا “يعول على الاقتصاد الحر والاستثمار بينما لا يوفر الشروط الأساسية لذلك كالإصلاح المؤسساتي والشفافية ومحاربة الرشوة وتبسيط المساطر الإدارية، مضيفا أن “ما نقوم به خلال العشرين سنة الأخيرة هو فقط محاولة استدراك ما فات” غير أن ذلك يتم في ظل نواقص ومشاكل عديدة.

“فمثلا المغرب مازال يعاني من معدلات الأمية العالية كما أن مُخرجات المدرسة الوطنية ضعيفة جدا بمعنى أن الرأسمال البشري ضعيف” يقول أوراز، ينضاف إلى ذلك أن “المغرب لم يذهب بعيدا على مستوى الدمقرطة والحقوق والحريات”.

أين النموذج؟

بالعودة إلى طبيعة النموذج المعتمد في المغرب، يوضح، المحلل الاقتصادي المغربي، المهدي فقير، بدوره أن الأمر لا يتعلق بنموذج تنموي خاص بالمغرب، بل إنه يرى أن المغرب لا يتوفر على نموذج تنموي بالمعنى المتعارف عليه.

والمقصود، أن “المغرب في تاريخه الحديث عاش مجموعة من المخططات والتراكمات التي اصطلح عليها في ما بعد بالنموذج ” والواقع أنه “ليس بنموذج ولكن محصلة لتراكمات سياسات وإجراءات وقرارات”.

هذا الشبه نموذج، كان مبنيا، حسب المتحدث على “الطلب الداخلي” كما “يعتمد على الزراعة وبالتالي على التساقطات”، وهو ما يطرح مشاكل عدة خصوصا وأن “إجراءات الدولة لم تكن دائما استباقية لمواجهة مشكل الجفاف مثلا الذي يتم التعامل معه كمشكل ظرفي وليس كمشكل بنيوي”.

أيضا، يشير فقير إلى أنه “في بعض الأحيان كان يتم اعتماد سياسات تقشفية وسياسات استعجالية يغيب عنها المنظور الشمولي والالتقائية”.

تبعا لذلك يشدد الخبير المغربي على أن “الدعوة الملكية تنم عن نضج سيادي لأنه ولأول مرة يتم الاعتراف من أعلى سلطة في البلاد بقصور في النموذج التنموي”، ويردف مؤكدا في هذا الإطار أن مسألة النموذج التنموي هي “مسألة سيادية وليست مسألة حكومية يمكن تحجيمها في برنامج أو برامج حكومية”.

من جهة أخرى، يؤكد الخبير المغربي على ضرورة أن يرتكز النموذج التنموي الجديد على ثلاثة مرتكزات رئيسية، تشمل مختلف المجالات والقطاعات.

يتعلق الأمر بـ”مرتكز عمودي اجتماعي” مما يشمله “القيم الهوياتية والحضارية” و”مرتكز عمودي اقتصادي” يعتمد على “العرض وليس على الطلب وعلى استقطاب الاستثمار النافع وليس استثمار الريع”، ومرتكز ثالث “أفقي” يتعلق بـ”الحكامة”، يقوم على “وضع تصور مؤسساتي جديد يعتمد الكفاءات ويعتمد نظرة جديدة لتسيير وتدبير الأمور”.

“نموذج إقصائي”

الخبير الاقتصادي، عمر الكتاني، من جانبه، يضع الأصبع على “عطبين” أساسييين للنموذج المعتمد حاليا في المغرب، يتمثلان في كونه “نموذج ريعي ورأسمالي”.

فهو “نموذج ريعي” والريع هنا “يشمل الفساد وسوء التدبير والتعويض بدون استحقاق والأجور العالية” و”نموذج رأسمالي” بمعنى أن “الاستثمارات كلها مبنية على الرأسمال وليس على العمل وبالتالي لا تمس الطبقات الدنيا ولا تمس المناطق الريفية”.

تبعا لذلك يؤكد المتحدث أن النموذج الحالي أدى إلى “إقصاء وذوبان الطبقة الوسطى” في مقابل “إغناء الأغنياء”، كما أقصى المناطق الريفية كون “الاستثمارات الموجهة إلى الخدمات كلها متمركزة في المدن”.

ويتابع المتحدث موضحا ضمن تصريحه لـ”أصوات مغاربية” أن النموذج الحالي “في طريقه نحو الهاوية” كونه أنتج “نموا اقتصاديا ضعيفا” ما دفع الدولة إلى فرض ضرائب على الطبقة الوسطى ليتم المرور بعد استنزافها نحو “الطبقة العليا”.

“ما الحل إذن؟” يتساءل الكتاني، قبل أن يردف مؤكدا أن الحل يكمن في أن “تدعو الدولة الأغنياء إلى القيام بمشاريع اجتماعية في شكل مستشفيات ومدارس وجامعات ومؤسسات للتكوين المهني وغيرها”.

بمعنى أن النموذج الجديد يجب أن يأخذ بعين الاعتبار “المشاريع ذات الفائدة الاجتماعية والاقتصادية”، كما يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أيضا، وفق الكتاني “وقف الاستثمار في المدن والتوجه نحو البوادي”.

“يمكن ترك المدن للاستثمارات الأجنبية لأنها تحتاج البنى التحتية ولكن يجب أن تتجه الاستثمارات الوطنية نحو البوادي” كما يجب العمل على “إحداث مدن جديدة”، وهو ما سيخفف وفقه من انتقال الشباب نحو المدن بحثا عن الشغل.

ويتابع الخبير المغربي مؤكدا أن تحقيق ذلك بيد “السلطة العليا” في البلاد لأن الحكومات وفقه “ضعيفة وليس لها لا الفكر ولا البادرة ولا الأهلية ولا الصلاحية للقيام بهذا التغيير الجذري”.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق