الصحافة _ كندا
كشف مشروع القانون التنظيمي الجديد، الذي يعدل القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، عن توجه سياسي وإصلاحي غير مسبوق في مسار تحديث الحياة الحزبية بالمغرب، يروم تعزيز الحكامة الداخلية، وضمان الشفافية المالية، وتوسيع قاعدة المشاركة أمام الشباب والنساء، في أفق انتخابات 2026.
المشروع الذي صادق عليه المجلس الوزاري برئاسة الملك محمد السادس في 19 أكتوبر 2025، يترجم رؤية ملكية واضحة لتجديد النخب وتخليق العمل الحزبي، من خلال ضبط آليات التأسيس، وترسيخ مبدأ التمثيلية الجهوية والنوعية، وربط التمويل العمومي بالشفافية والمحاسبة.
ويفرض النص الجديد شروطًا أكثر صرامة لتأسيس الأحزاب، إذ يشترط توقيع 2000 عضو مؤسس موزعين على مختلف جهات المملكة، على ألا يقل عدد المنخرطين في كل جهة عن 5 في المئة من الإجمالي، مع إلزامية تمثيل جميع الجهات في لائحة المؤسسين، ووجود أربع نساء على الأقل من بين الأعضاء الاثني عشر الموقعين على التصريح بالتأسيس. كما يُلزم المشروع بأن تشكل النساء والشباب دون سن الخامسة والثلاثين نسبة لا تقل عن 20 في المئة من المؤسسين، مع ضرورة إرفاق التصريحات بشهادات التسجيل الانتخابي والسجل العدلي، قبل إحالة الملف خلال أسبوع على المحكمة الإدارية بالرباط للتحقق من قانونيته.
وفي خطوة تهدف إلى إدماج الشباب والنساء في مراكز القرار السياسي، ألزم المشروع الأحزاب بوضع مرشحين شباب في المرتبتين الأولى أو الثانية في ثلث الدوائر الانتخابية التي تغطيها لوائحها، على أن تُمنح أولوية الدعم المالي للأحزاب التي تلتزم بهذه القاعدة. كما اشترط أن تتصدر امرأة شابة وامرأة من مغاربة العالم لوائح جهوية على الأقل، مع تخصيص دعم مالي مضاعف يصل إلى ستة أضعاف المبلغ الأساسي لفائدة اللوائح التي تتصدرها شخصيات شابة أو في وضعية إعاقة أو نساء مغتربات.
أما على المستوى المالي، فقد فتح المشروع الباب أمام نمط تمويل جديد يواكب التحولات الرقمية، حيث سمح للأحزاب بتأسيس شركات تابعة لها بنسبة مائة في المائة في مجالات التواصل الرقمي، والصحافة الحزبية، والنشر، والتأطير السياسي، بشرط التصريح بها لوزارة الداخلية في ظرف 30 يوماً، وإدراج حساباتها ضمن التقارير المالية السنوية للحزب. كما شدد على منع أي تمويل من مؤسسات عمومية أو خاصة تمتلك فيها الأحزاب حصصاً مالية، وألزم جميع النفقات بأن تمر عبر التحويل البنكي أو الشيكات لتفادي المعاملات غير الموثقة.
وعزز المشروع صلاحيات المجلس الأعلى للحسابات، الذي بات قادراً على إحالة أي خروقات مالية على النيابة العامة، كما منح القضاء الإداري صلاحية حل الأحزاب المتخلفة عن تقديم حساباتها لثلاث سنوات متتالية، بعد توجيه إعذار رسمي من المجلس الأعلى للحسابات. كما نص على إلزام الأحزاب بعقد مؤتمراتها الوطنية مرة كل أربع سنوات تحت طائلة الحرمان من الدعم العمومي.
بهذا التوجه، يسعى المشروع إلى إحداث قطيعة مع مرحلة الارتجال والزبونية التي وسمت بعض التجارب الحزبية في الماضي، وإرساء ثقافة جديدة في الممارسة السياسية تقوم على الشفافية، والمسؤولية، والتجديد الذاتي. إنه مشروع قانون لا يكتفي بتقنين شكل التنظيمات الحزبية، بل يعيد تعريف دورها في بناء الثقة بين المواطن والسياسة، وفي تخليق العمل العام بما ينسجم مع التحولات الديمقراطية التي يعرفها المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس.














