الصحافة _ كندا
يستعد المغرب لاستقبال شهر أبريل على إيقاع تصعيد اجتماعي مرتقب، مع اقتراب جولة جديدة من الحوار بين الحكومة والمركزيات النقابية، وسط أجواء مشحونة بالخوف والترقب، بسبب ملف إصلاح أنظمة التقاعد الذي عاد ليشعل الجدل من جديد.
الإصلاح المنتظر، الذي وصفه كثيرون بالقنبلة الموقوتة، يثير قلقاً واسعاً في صفوف العمال والمتقاعدين، خصوصاً في ظل غياب رؤية حكومية واضحة وتضارب التصريحات بشأن توجهات السلطة التنفيذية، ما عمّق الشكوك حول نوايا الحكومة، وأشعل مخاوف من تمرير قرارات مصيرية في غياب التوافق المطلوب.
ورغم إعلان الحكومة نيتها عقد الحوار الاجتماعي في موعده، إلا أن النقابات لم تتلق بعد أي عرض رسمي أو تفاصيل ملموسة، ما زاد من منسوب الاحتقان، في وقت تتهم فيه الهيئات النقابية الحكومة بالسعي إلى رفع سن التقاعد إلى 65 سنة، وزيادة نسب الاقتطاع، وتخفيض قيمة المعاشات، وهي إجراءات وصفها الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، الميلودي مخاريق، بـ”المثلث الملعون” الذي يهدد بشكل مباشر المكتسبات الاجتماعية التي راكمتها الطبقة العاملة عبر عقود من النضال.
الغضب لا يقتصر فقط على النقابات، بل امتد ليشمل المتقاعدين الذين قرروا بدورهم الدخول على خط الاحتجاج، حيث أعلنت الشبكة المغربية لهيئات المتقاعدين عن تنظيم مسيرات احتجاجية أواخر أبريل، إلى جانب مراسلات رسمية للحكومة والبرلمان من أجل الضغط لإدراج ملفهم ضمن أولويات الحوار الاجتماعي، معتبرين أن تدهور أوضاعهم المالية يستدعي تدخلاً عاجلاً لا تحميلهم كلفة إصلاحات مفروضة.
من جهته، عبر الاتحاد العام للشغالين بالمغرب عن رفضه المطلق لأي إصلاح يُفرض من طرف واحد، حيث شدد أمينه العام، النعم ميارة، على ضرورة التوصل إلى حلول متوازنة تضمن استدامة صناديق التقاعد، دون المساس بحقوق الشغيلة، مؤكداً أن الحكومة لم تقدم بعد أي عرض ملموس يمكن مناقشته بشكل جدي.
في المقابل، تحاول الحكومة تهدئة الأجواء عبر التأكيد على أن الإصلاح سيكون “توافقياً وشاملاً”، مستندة إلى نموذج “القطبين” كخيار يضمن التوازن المالي واستدامة النظام التقاعدي، حسب ما أعلنت عنه وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، غير أن هذا الطرح لم يُرفق بأي أرقام أو تدابير عملية، ما أبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام التكهنات والتخوفات.
الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، حاول هو الآخر إرسال رسائل طمأنة، مؤكداً في لقاء تلفزيوني أن الإصلاح لن يكون إلا في إطار الحوار الاجتماعي، وأن أي خطوة يجب أن توازن بين استدامة الصناديق وحماية القدرة الشرائية وتعزيز التضامن الاجتماعي، مشيراً إلى أن الحكومة تدرس عدة سيناريوهات بشراكة مع النقابات.
ورغم هذه التصريحات، فإن الترقب يطغى على المشهد، والأسئلة تتكاثر: هل تملك الحكومة فعلاً القدرة على تمرير إصلاح التقاعد دون إشعال فتيل الشارع؟ وهل يمكن تحقيق التوازن بين الضرورة الاقتصادية وواقع اجتماعي مشحون؟
الأكيد أن ربيع التقاعد هذا العام سيكون مختلفاً، محمّلاً بكثير من الغضب، والمواجهة الاجتماعية تلوح في الأفق ما لم تبادر الحكومة إلى تقديم حلول واقعية ومقبولة… قبل فوات الأوان.