الصحافة _ كندا
قبل أن تباشر حكومة عزيز أخنوش أولى جلسات الحوار الاجتماعي مع النقابات، كانت الرسائل قد وصلت بالفعل إلى من يهمهم الأمر: الباطرونا أولًا، بضمانات تؤكد أن إصلاح التقاعد قادم لا محالة. أما الباقي، فمجرد “إخراج مسرحي” يُنتظر أن يُنتج اتفاقًا شكليًا يُلبس المشروع غطاءً توافقياً، رغم أن محتواه قد تم حسمه خلف الكواليس.
مصادر مطلعة كشفت لجريدة “الصحافة” الإلكترونية أن هناك وصفة جاهزة تنتظر فقط توقيع المركزيات النقابية، التي ما فتئت تردّد عبارات إنشائية من قبيل “لا تراجع عن المكتسبات”، بينما الجميع يدرك أن الكلفة سيتم تحميلها – مجددًا – للمواطن البسيط: من جيبه ومن سنوات عمره.
هذا السيناريو يعيد إلى الأذهان تقرير لجنة تقصي الحقائق حول صناديق التقاعد، الذي دُفن بصمت في عهد حكومة بنكيران، رغم ما كشفه من فضائح ثقيلة: من ضياع الملايير في استثمارات فاشلة، إلى منح معاشات ضخمة دون سند قانوني، إلى تورط شركات عقارية معروفة، مرورا بخسائر ضخمة في سوق الأسهم وسوء توظيف المحفظة المالية.
اللافت أن هذا الملف لم يكن تقنيًا بحتًا كما حاول البعض الترويج، بل سياسي حتى النخاع. فالقيادي بحزب العدالة والتنمية، جامع المعتصم، وجّه اتهامات صريحة لعدد من الزعماء النقابيين بتوقيع صفقة مع الحكومة، ساهمت في تعميق الأزمة، وأضفت شرعية مزيفة على إبراء ذمتها المالية تجاه الصناديق، رغم أن المستحقات لم تُدفع كاملة.
المعتصم لم يتردد في تحميل المسؤولية التاريخية لما وصفه بـ”تعطيل الإصلاح”، لوزراء من الاتحاد الاشتراكي ولرئيس الحكومة الأسبق عباس الفاسي، الذين – بحسبه – اختاروا تأجيل الإصلاح حفاظًا على المصلحة الانتخابية، وليس الاجتماعية.
وبينما تتحدث الحكومة عن إصلاح جديد، دون كشف التفاصيل للرأي العام، ومع تجاهل صارخ لتوصيات تقارير سابقة وتحقيقات عالقة، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه: الإصلاح قادم، لكن السؤال: على حساب من؟
في ظل هذا الغموض، ومع استمرار النقابات في دور المتفرج أو “الموقع بشروط”، يخشى كثيرون أن تتحول طاولة الحوار الاجتماعي إلى طاولة تصفية، لا طاولة تفاوض.