الصحافة _ كندا
في المشهد السياسي المغربي، لا شيء يثير الجدل أكثر من زعيم سياسي يرفع شعار المعارضة، لكنه في الواقع يمارس نوعًا من “التقية السياسية”، محافظًا على شعرة معاوية مع السلطة التنفيذية، وموزعًا ولاءه بين الخطاب الشعبوي والصفقات الصامتة. محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، نموذج لهذا النهج الذي يضع الحزب في موقف غامض، فلا هو معارض حقيقي، ولا هو في صف الأغلبية، بل أقرب إلى أن يكون مجرد صوت خافت في معادلة سياسية لا ترحم المترددين.
منذ انتخابه أمينًا عامًا لحزب الحركة الشعبية، لم يحظَ أوزين بالاستقبال الملكي الذي جرت العادة أن يكون تقليدًا سياسيًا للأمناء العامين الجدد للأحزاب. السؤال الذي يتردد في الأوساط السياسية: هل لم يتقدم أوزين أصلًا بطلب الاستقبال، أم أن القصر رفض ذلك؟ وإذا كان الرفض هو السبب، فهل يعود ذلك إلى تبعات فضيحة “الكراطة” التي أسقطته من وزارة الشباب والرياضة بفضيحة مدوية، أم أن الأمر مرتبط بعدم قناعة الدولة بجدية حزب الحركة الشعبية تحت قيادته؟ ما يزيد من الشكوك أن أوزين لم يبدُ حريصًا على تفسير هذا الغياب أو تبديد الغموض، وكأن عدم الاستقبال الملكي أمر عابر لا يستحق التوضيح.
على المستوى السياسي، يعيش حزب الحركة الشعبية مفارقة يصعب فهمها، فهو في المعارضة اسميًا، لكنه أقرب إلى الحكومة في السلوك والممارسة. فمنذ وصول أوزين إلى القيادة، لم يُسجل للحزب أي موقف حاد تجاه الحكومة، بل إن المعارضة التي يقدمها أشبه بمعارضة ناعمة، لا تهدد ولا تزعج، وكأنها مجرد توزيع أدوار في مشهد سياسي محسوب بدقة. التساؤل هنا: هل المعارضة بالنسبة لأوزين مجرد واجهة لإخفاء توافقات في الكواليس؟ ولماذا يُتهم الحزب بأنه يعارض في العلن، لكنه في السر يغازل الحكومة بل ويستفيد منها؟
أحد الملفات التي تفجرت داخل الحزب هو الحديث عن تلقي أوزين مبالغ مالية ضخمة من رئيس الحكومة عزيز أخنوش لإنقاذ جريدة حزب الحركة الشعبية من الإفلاس. وفقًا لما يتم تداوله في الأوساط السياسية، فإن عشرات الملايين دُفعت للحزب، ليس لإنقاذ إعلامه فحسب، بل لضمان ولائه وعدم إزعاج الحكومة في لحظات حساسة. إذا كانت هذه المعطيات صحيحة، فإنها تضع أوزين في موقف سياسي بالغ الحرج: كيف يمكن لحزب يدعي المعارضة أن يقبل أموال رئيس الحكومة؟ وهل يمكن الحديث عن استقلالية القرار السياسي في ظل هذا التمويل المباشر من رجل السلطة التنفيذية الأول؟ وإذا كانت الحكومة سخية مع المعارضة، فماذا يعني ذلك سياسيًا؟ أليس ذلك تفريغًا للمعارضة من مضمونها وتحويلها إلى مجرد صدى صوتي لتدبير حكومي لا يجد من يواجهه؟
على المستوى الداخلي، لا تبدو الأمور أفضل حالًا. الفريق البرلماني للحزب يعيش حالة من الفوضى والانقسام، حيث أصبحت اجتماعاته شبه فارغة، بعد أن فقدت القيادة القدرة على ضبط البرلمانيين، الذين أصبحوا في حالة تمرد صامت. الاجتماعات التي يفترض أن تكون ساحة للنقاش السياسي والتنسيق الداخلي، باتت تُعقد في ظل غياب شبه كامل، حيث لا يحضر سوى حفنة من النواب، بينما البقية تفضل العزوف، إما احتجاجًا على طريقة تدبير الحزب، أو لأنها بدأت بالفعل في البحث عن بدائل أخرى.
والمثير أكثر أن عددًا من المنتخبين الحركيين، سواء في البرلمان أو في المجالس الجماعية والجهوية، بدأوا في البحث عن تزكيات للترشح بألوان حزبية أخرى خلال الانتخابات المقبلة، وهو ما يكشف حجم الأزمة الداخلية التي يواجهها أوزين. إذا كان المنتخبون يفرون من الحزب، فماذا تبقى من قوته السياسية؟ وهل يمكن الحديث عن قيادة ناجحة لحزب يعاني من هروب أطره ومنتخبيه؟
لقاء أوزين مع مؤسسة الفقيه التطواني قد يكون فرصة أخيرة أمامه لتقديم أجوبة واضحة عن هذه الأسئلة الحارقة. هل سيتحدث بصراحة عن غياب الاستقبال الملكي؟ هل سيشرح أسباب ضعف المعارضة التي يقودها حزبه؟ هل سينكر أو يؤكد التمويلات التي تلقاها من أخنوش؟ والأهم، هل سيملك الجرأة للاعتراف بأن حزب الحركة الشعبية، كما يبدو اليوم، ليس سوى ظل باهت لماضيه السياسي، بعدما تحول إلى كيان سياسي فاقد للرؤية، مشتت بين الولاء للحكومة، ومحاولة إقناع الرأي العام بأنه في المعارضة؟
كل هذه الأسئلة ستُطرح، ولكن هل سيجد أوزين نفسه محاصرًا بنظرات الإعلاميين الحادة، مجبرًا على الخروج عن خطابه الخشبي المعتاد؟ أم أنه سيلجأ، كما يفعل دائمًا، إلى المراوغة السياسية والتصريحات الدبلوماسية التي لا تقدم ولا تؤخر؟ مؤسسة الفقيه التطواني لن تكون مجرد منبر للحديث، بل ستكون ساحة اختبار حقيقي، حيث لا مجال للهروب أو الاحتماء بلغة عمومية فارغة. فإما أن يواجه الحقيقة، أو يثبت أنه مجرد سياسي آخر احترف الهروب من المواجهة في زمن أصبح فيه الصمت مكلفًا أكثر من الكلام.