بقلم: الحسين اغشان
يمر حزب الأصالة والمعاصرة من لحظة تاريخية مفصلية، ستكون بمثابة امتحان يثبت فيها أنه حزب يقوم على رؤية متجذرة في الواقع المغربي المغربي ومنفتحة على أبعاد مستقبلية،
رغم كل النقد الذي واجهه الحزب في بدايته، إلا أنه استطاع أن يثبت أنه ليس مجرد فورة ستذروها عوائد الدهر كما تذرو الرياح الهشيم، وخابت تنبؤات الكثير من المتربصين والمتفيقهين السياسيين ممن اتهموه بالتجني على العمل السساسي، واعتبروه جسما دخيلا على المنظومة الحزيية الوطنية؛ هكذا أثبت حزب الأصالة والمعاصرة أنه رؤية مبنية على قراءة سليمة للواقع المغربي ومشخصة لحاجياته الآنية والمستقبلية، كما أنه يمتح من روح الهوية المغربية الأصلية، وفي الوقت ذاته يرنو إلى الحداثة بقيمها الانسانية والكونية وإنجازاتها العلمية والاجتماعية والاقتصادية، فهو باختصار حزب مغربي أصيل، وفي الوقت ذاته يريد مغربا يعيش عصره ولا ينجر القهقرى بماضوية رجعية ظلامية.
لم تخل الهجومات على الأصالة والمعاصرة من نفس ظلامي طالما سعى بكل ما أوتي من قوة إلى إقبار الرؤى الحداثية، وتجييش الذهنيات الارتكاسية ضدها، هذه الذهنيات التي كان الحزب منذ نشأته واعيا بها كمقاومة اندفاعية ضد كل ما هو جديد، وكل ما هو منفتح على عالمنا المعاصر، لذا عمل جاهدا من خلال التأطير ومن داخل المؤسسات على تفعيل مبدئه الأساسي الذي هو “التغيير الآن”. ورغم أن البعض فهم هذا التغيير الداعي إلى الآنية باعتباره تغييرا في السياسات الاقتصادية والاجتماعية فحسب، إلا أن القيادات التي تعاقبت على الحزب كان متمثلة لحقيقة هذا التغيير الملح، والذي يبدأ بالعقليات التي وقف عندها الخطاب الملكي في مناسبتين: بمعنى صناعة الانسان. لكن أي إنسان؟
إن الانسان الذي سعى حزب الأصالة والمعاصرة إلى بنائه هو الانسان المغربي الأصيل في تدينه وفي أخلاقه وفي عاداته الاجتماعية، باعتبارها منظومات غنية بالقيم الحضارية والانسانية متجذرة في تاريخنا وهويتنا لا شرقية ولا غربية، دون أي تعارض مع مقومات الحداثة باعتبارها تجربة إنسانية كونية مشتركة وليست ملكا لأمة من الأمم أو مخصوصة بشعب من الشعوب، إنه الانسان المتصالح مع الذات ومع التاريخ والعصر، إنسان لا يقرأ الحاضر بالماضي ولا يعيشه من خلاله، لكنه أيضا إنسان يعرف من أين جاء ومن يكون، فهو الانسان الواعي بكل مقوماته وبديمومته التي تربط ماضيه بحاضره وتستشرف مستقبله، وهو وحده الكفيل ببناء مهضة حقيقية بدون ترقيعات تعود علينا بانهيارات يتراكم فيها الخلل والاضطراب وتزيد من تعميق الأزمة، إذ سنجد أنفسنا في هذه الحالة في نفق مسدود يستحيل فيه الاستمرار تماما كما تستحيل فيه العودة.
إن وضوح المنطلقات لدى حزب الأصالة والمعاصرة هو ما جعله يراكم تجربة ثرية في وقت وجيز، ويحقق إنجازات استحقاقية كانت الدليل على أن جسور الثقة بينه وبين المواطنات والمواطنين تتقوى وتترسخ يوما بعد يوم، كما بوأته هذه الثقة مرتبة متقدمة في المشهد السياسي المغربي، وقد أرخى هذا الوضوح بظلاله في جميع المحطات دون استثناء، لعل أبرزها هي محطة تشكيل الحكومة، حيث استمر متمسكا برؤيته ولم يضح بها في سبيل المناصب مهما علا شأنها، واختار المكان الذي تفرضه إديولوجيته ومواقفه والوضع السياسي منذ اللحظة الأولى وهو موقع المعارضة، وطبعا المعارضة البناءة والجادة بعيدا عن العنتريات والاصطياد في الماء العكر، فهو حزب يؤمن بخدمة الصالح العام من أي موقع، وهو ما يبدو من خلال تفاعله الدائم مع أصوات المواطنات والمواطنين واستجابته السريعة لنبض الشارع المغربي، دون أن نغفل الخدمة المباشرة واليومية المستمرة في مجالس الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الترابية والغرف المهنية.
إننا كمناضلات ومناضلي الأصالة والمعاصرة مقتنعون بأن الحزب أكبر من الأشخاص، وأنه لا يقوم على فرد أو أفراد، فهو ليس من جنس التكتلات السياسية التقليدية التي تقوم على الزعامات، وإنما حزب حداثي يقوم على رؤى وأفكار تتجاوز الأفراد، وتستمر بعدهم مع الأجيال اللاحقة، وواهم من يظن أن الحزب يكبر بفرد أو ينهار بفرد أو حتى مجموعة، لهذا سنعمل جاهدين لكي تجسد روح الأصالة والمعاصرة التي تحدثنا عنها سابقا، وسنعمل جاهدين على دعم أشغال اللجنة التحضيرية الحائزة على الشرعية المؤسساتية، لاستكمال أشغال الاستعداد لمؤتمر حزبنا الرابع -وهذا ما أدعو إليه الجميع – على الالتزام بهذه الروح ونبذ الصراعات الجانبية، ولنعبئ جميع الكفاءات التي يزخر بها حزبنا لتجهيز قوتنا الاقتراحية، في إطار المساهمة الإيجابية والبناءة،فالمهم هي مصلحة الحزب، التي تصب في المصلحة العليا للوطن، لأن الأحزاب القوية والمتينة والمنتجة للرؤى والأفكار كفيلة بالاسهام الفعال في تقدم بلادنا وترسيخ قيم الديمقراطية المبنية على التعددية وعلى التدافع السياسي دون استغلال للمشترك الروحي للمغاربة ولا ركوب مقيت على المستجدات ولا ازدواجية في المواقف. وقد كان حزبنا عبر تاريخه حزبا لا يتلون مع المجريات ولا يمارس التمسرح على المواطنين، وكانت مواقفه على الدوام رزينة ومبنية ومتريثة لها غاية وحيدة هي المصلحة العامة.
، لذلك كان لا بد من التنبيه إلى أهمية الالتحام والتماسك بين مناضلاته ومناضليه والالتزام التام بروح الحزب ومبادئه مهما كانت الاختلافات الفرعية وكمعارضة يجب علينا تصحيح الوضع الراهن الذي فرض علينا كمغاربة من طرف حكومة الأزمات و الويلات خلال السنوات الثمانية الأخيرة.
* عضو المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة