بقلم: سعيد لكحل
مصالحهم شتى وعداؤهم واحد للشعب
كشفت العملية الأمنية التي نفذتها الأجهزة الأمنية المختصة يوم 19 نونبر الجاري حين تم احتجاز كمية مهمة من مخدر الكوكايين (476 كيلوغراما) بإحدى فيلات الهرهورة ضواحي الرباط، عن مستوى آخر من مستويات الأخطار التي تستهدف أمن الوطن واستقرار الشعب المغربي. فالمغرب، كغيره من الدول له أعداء خارجيون وأعداء داخليون، لكنه ينفرد عن الجميع بكون صنف من أعداء الداخل يتولون تدبير الشأن العام. هكذا تتكالب على الوطن أطراف متعددة يمكن رصدها كالتالي:
1 ــ جبهة البوليساريو: وتتمثل خطورتها على مستويات ثلاثة:
أ/ المستوى العسكري إذ لا تكف الجبهة عن التهديد بالعودة إلى حمل السلاح وشن الهجمات على التراب الوطني مستفيدة من الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي الذي توفره السلطات الجزائرية لها. إلا أن جاهزية القوات المسلحة الملكية وخبراتها العسكرية التي راكمتها ميدانيا تجعل البوليساريو تفكر ألف مرة قبل الإقدام على قرار انتحاري، الأمر الذي يدفعها إلى تنويع تكتيكاتها العدائية.
ب/المستوى التخريبي حيث تعمد البوليساريو إلى تجنيد العناصر الداخلية لتنفيذ الأعمال التخريبية ضد الممتلكات العامة واستهداف الأجهزة الأمنية (أحداث مخيم كديم إزيك نموذجا)، ولعل الإنجاز الأمني الذي حققته الأجهزة المختصة يوم 21 نونبر الجاري بتوقيف خمسة أشخاص بمنطقة واد درعة بضواحي طانطان، وبحوزتهم أسلحة نارية ومعدات أخرى تُستخدم في تنفيذ الأعمال الإجرامية حصلوا عليها من البوليساريو، يثبت مرة أخرى سعي الجبهة إلى المس بأمن الوطن.
ج/المستوى الإرهابي: لم تعد علاقة البوليساريو بالتنظيمات الإرهابية أمرا خفيا، فقد دلت كثير من الوقائع والأحداث على تورط عناصر التنظيم الانفصالي في أعمال إرهابية، سواء داخل المخيمات (اختطاف إسبانيين وإيطالي بمخيم الرابوني) أو في دول الجوار (موريتانيا، مالي، الجزائر، النيجر) وهي العمليات الإرهابية التي نفذها عدنان أبو وليد الصحراوي، العضو السابق في جبهة البوليساريو، وهو الذي خصصت وزارة الخارجية الأمريكية أخيرا، مكافأة بقيمة 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد على اعتقاله أو تصفيته بعد إشرافه على قتل أربعة جنود أمريكيين في هجوم على دورية أمريكية ــ نيجيرية في أكتوبر 2017. والعلاقة بين البوليساريو والتنظيمات الإرهابية كشفت عنها مداخلات عدد من الخبراء الدوليين أثناء مشاركتهم في اجتماعات اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت بنيويورك.
2 ــ شبكات الاتجار بالمخدرات:
حيث أثبتت العملية الأمنية الأخيرة بالهرهورة المدى الخطير الذي اتخذته هذه الشبكات في تطوير وسائل الاختراق الأمني ومضاعفة كمية المخدرات وأنواعها (الاعتقالات التي شملت ضباطا في الجيش وأمنيين دليل هذا الاختراق).
3 ــ التنظيمات الإرهابية:
رغم الجهود الأمنية الجبارة في رصد وتفكيك الخلايا الإرهابية منذ 2002، يبقى خطر هذه التنظيمات قائما، بل متزايدا. ولعل الخلايا التي تم تفكيكها أخيرا والأسلحة التي تم ضبطها بحوزة أعضائها يثبت هذه الخطورة؛ الأمر الذي يستدعي تكثيف الجهود الأمنية للتصدي لمخططات التخريب.
4 ــ ناهبو المال العام والمتسترون عليهم:
كل المخاطر التي تتهدد أمن واستقرار المغرب المومأ إليها أعلاه تتصدى لها الأجهزة الأمنية والعسكرية بكل حزم وفاعلية، وقد راكمت خبرات جد مهمة في التعامل مع جميع المواقف. ليبقى الخطر الحقيقي الذي يهدد حقا الاستقرار والأمن هو الفساد والنهب وتهريب الثروة. وتتحمل الحكومة كامل المسؤولية في حماية المفسدين والتستر عليهم بدءا من قرار “عفا الله عما سلف” الذي دشن به بنكيران، أمين عام البيجيدي ورئيس الحكومة السابق ولايته، مرورا بالتستر على المفسدين وتجميد التقارير التي أعدها السيد إدريس جطو، وانتهاء بالخرق السافر للدستور الذي ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة.
إن خطورة نهب المال العام وتعطيل الدستور تمس مباشرة مصداقية المؤسسات الدستورية وتسيء إليها مما يُفقد المواطنين ثقتهم فيها، الأمر الذي يعمّق الهوة بين المواطنين وبين المؤسسات فيتسع العزوف ويشتد السخط إزاءها. وبدل أن تتفاعل الحكومة مع نبض الشعب وتستجيب لمطالبه بمحاسبة ناهبي المال حتى تسترجع المؤسسات مصداقيتها وتتصالح مع المواطنين، تتمادى الحكومة في الاقتراض ورفع الأسعار وتقليص فرص الشغل قصد تغطية عجز الميزانية الذي يعود السبب الرئيس فيه إلى نهب المال العام وتبذيره. فلا عذر للحكومة التي أججت وتؤجج السخط الشعبي والاحتقان الاجتماعي ( حراك الريف وجرادة وسيدي إفني الخ، سلسلة الإضرابات التي همت مختلف القطاعات الاجتماعية) وعمقت الأزمة الاقتصادية ( إفلاس 12 ألف مقاولة) بهدر المال العام حيث خصص رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، 4820 مليار سنتيم للوزراء لاقتناء السيارات الفارهة وشراء التجهيزات الفاخرة للقطاعات التي يشرفون عليها، فضلا عن تمويل صندوق تقاعد الوزراء والبرلمانيين، في الوقت الذي تعاني فيه ميزانية الدولة عجزا مهولا كان من الأحرى اعتماد سياسة تقشف صارمة تقطع مع التبذير وتعقلن النفقات.
إن الأعداء الحقيقيين للشعب والوطن هم ناهبو المال العام وحماتهم الذين يعطّلون القانون ويخرقون الدستور ويشجعون على الإفلات من المحاسبة. هؤلاء يوفرون كل أسباب الاحتقان الاجتماعي ويدفعون الأوضاع إلى الانفجار لا قدر الله.