بقلم: سليمان الريسوني*
كتبت الصحافة المغربية والدولية، في المدة الأخيرة، مقالات كثيرة عن الإخوة أبو زعيتر، أصدقاء الملك. وكان لافتا أن تنشر منابر إعلامية مغربية، مهادنة للسلطوية وأخرى مداهنة لها، مقالات تنتقد فيها كيف تعامل واحد من الإخوة أبو زعيتر، برعونة، مع صحافي، حين انتزع منه هاتفه، بعدما التقط الصحافي صورا له وهو يركن سيارته في موقف خاص بسيارات الأمن بمراكش.
كما انتقدت الصحافة استعمال أحد هؤلاء الإخوة صور الملك في ملاسناته مع مغني راب، وانتقدت تحول والي العيون، بقدِّه وقديده، إلى مجرد سائق للإخوة أبو زعيتر. غير أن ما أهاج الصحافة المغربية هو صمت أصدقاء الملك عن ممثل هندي، كان في ضيافتهم بمدينة العيون، وقف يقول، وهم إلى جانبه يضحكون، إنه يستمتع بقضاء وقته رفقة العاهرات المغربيات.
وإذا كانت الصحافة المغربية قد اكتفت بتعقب أخطاء الإخوة أبو زعيتر، فإن نظيرتها الأجنبية ذهبت إلى أبعد من ذلك، بالنبش والاستقصاء في ماضيهم الجنائي بأوروبا، وسمحت لنفسها بطرح سؤال ضمني، حول ما إذا كان الإخوة الثلاثة يستحقون صداقة ملك المغرب. وهذا نقاش آخر.
في المفهوم الحديث لرئيس الدولة، ملكا كان أم منتخبا، لا توجد قواعد صارمة ترسم لأصدقاء رئيس الدولة حدودا يتحركون في إطارها، وأن يكونوا مثاليين، طالما أنهم يحترمون القانون في ظهورهم وخفائهم. لكن، في الآداب السلطانية، والتي مازال الجالس على العرش في المغرب مطوقا بكثير منها، فإنه «لا يوجد للسلاطين أصدقاء»، كما أن السلطان «لا يمكن أن تحدثه بلغة حميمة»، حسب كتاب «الآداب السلطانية» المرجعي لعز الدين العلام.
إن تأرجح المؤسسة الملكية بين الأصالة والمعاصرة، وعدم قطعها مع الإرث السلطاني الذي أحياه الحسن الثاني، وأثقل به نفسه وخلَفه، هو ما جعل علاقات الملك محمد السادس وطريقة حياته ولباسه… محط اهتمام ونقاش واسع في الصحافة الدولية المحكومة بكليشيهات تحركها للبحث عن الغرائبي في الحياة الخاصة للأسرة الملكية المغربية وتهويله، وأيضا محط انشغال المغاربة الذين تربوا على التفكير من داخل البنية السلطانية التي لا تضع حدودا بين الملك رئيس الدولة والملك الإنسان.
فإذا كان محمد السادس قد اختار الزواج بطريقة عصرية، وأظهر زوجته، وأعطاها صفة شخصية عمومية.. فإنه لم يستطع الطلاق بالطريقة نفسها، حيث لم يصدر أي بلاغ رسمي في الموضوع، باستثناء ما صدر عن المحامي، إريك موريتي، بصيغة «زوجة الملك السابقة»، بعدما بلغ حديث الصحافة الدولية عن علاقة الملك بأم ابنيه مستويات أظهرت أن السكوت، الرسمي، عنها، سيطلق لسان المغاربة، في تناقلها وتأويلها بلا حدود. وما يقال عن هذا الموضوع يمكن أن يقال، أيضا، عن صداقات الملك مع فؤاد عالي الهمة، أو مع الإخوة أبو زعيتر؛ حيث لم يألف المغاربة أن يروا لملوكهم أصدقاء.
إن قاعدة غير مكتوبة، لكنها متواضع عليها ضمنا، تقول إن شعبا يقبل أن يُقيِّد حاكموه حريته في التعبير والسلوك، يفرض، بدوره، قيوده عليهم. لذلك، نجد أن أكثر البلدان حرية، أقلها تدخلا في أذواق حكامها ومسؤوليها. كما أنه بقدر ما تراقب الشعوب، في الدول الديمقراطية، سياسة حكامها وتقيد سلطاتهم، تراقب الشعوب، في الدول السلطوية، سلوك حكامها وأذواقهم وحرياتهم الفردية.
إن الملك محمد السادس، الذي ورث عن والده تقاليد سلطانية تقول إن الملك لا أصدقاء له، ورث، أيضا، أصدقاء جاء بهم الحسن الثاني إلى المدرسة المولوية، وهيأهم ليساعدوا خلفه في الحكم. ومما كان إدريس البصري يحكيه، بعد إبعاده عن أم الوزارات، أنه قال يوما للحسن الثاني، إن «الأصدقاء لا يحكمون دولة، بل ينظمون surprise partie».
وإذا تأملنا مسارات ثلاثة من أبرز أصدقاء دراسة الملك محمد السادس، سنجد أنهم أكثر الشخصيات إثارة للجدل في عهده، ففؤاد عالي الهمة، الذي أخرج من القصر لإعادة هيكلة الحقل السياسي وتأسيس «حزب الدولة»، وجد معارضة عنيفة من الأحزاب، ورفضا واسعا من النخب المستقلة والحركات الاحتجاجية، فانسحب من الحياة الحزبية وعاد إلى القصر.
ومنير الماجدي، الذي أخرج لإعادة هيكلة الحقل الاقتصادي، اصطدم بعدد من رجال الأعمال والصحافيين المستقلين الذين نحتوا مفهوم «المخزن الاقتصادي».
وحسن أوريد الذي أريد منه أن يكون مثقف الملك ومؤرخ المملكة، ترك جمل السلطة بما حمل، وخرج يتحدث عن تعرضه للاحتقار، وكيف أقصي واستهزئ به بسبب أصوله الأمازيغية.
وبدلا من أن يكتب التاريخ الرسمي، كتب نقيضه وخرج يتحدث عن «دسائس حاشية الحاكم». وها نحن، بعد 20 سنة، أمام surprise partie سياسية واقتصادية وإعلامية وثقافية، سمتها المزاجية والتجريب والارتجال.
باختصار، إن المغاربة الذين يرون ملكهم يقف بسيارته أمام الضوء الأحمر، لن يقبلوا من أصدقائه أن يحرقوا الكثير من الأضواء.
*سليمان الريسوني: رئيس تحرير يومية “أخبار اليوم”.