الصحافة _ كندا
تفاقمت حدّة الخلاف داخل مكونات الأغلبية الحكومية إلى درجة باتت معها الحرب السياسية تُخاض علناً، دون مواربة. الشرارة اندلعت بعد التصريحات النارية التي أطلقها نزار بركة، وزير التجهيز والماء والأمين العام لحزب الاستقلال، حين صرّح خلال برنامج حواري على القناة الأولى أن مستوردي الأغنام والأبقار حققوا أرباحاً خيالية بلغت 13 مليار سنتيم، في إشارة ضمنية إلى شبهات ريعٍ في الدعم الحكومي المخصص لهذا القطاع، وهو ما أثار زوبعة من ردود الفعل داخل الأغلبية والمعارضة معاً.
رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، لم يتأخر في الرد. ومن مدينة الداخلة، في تجمع حزبي ضخم لحزب التجمع الوطني للأحرار، أطلق النار سياسياً على من وصفهم بـ”مروجي الأكاذيب” دون أن يُسمي نزار بركة صراحة، لكن الإشارات كانت أوضح من أن تُخفى. أخنوش قالها بلهجة غاضبة: “من يقول إن الدولة صرفت 1300 مليار سنتيم على دعم استيراد الأغنام فهو إما كذّاب، أو لا يفهم، أو كلا الأمرين معاً”. واعتبر أن الرقم الحقيقي لا يتجاوز 400 مليون درهم فقط.
واستطرد أخنوش قائلاً إن “هذا العبث السياسي لم يعد مقبولاً”، مضيفاً أن المواطنين، خاصة في الجهات الجنوبية، “يعرفون جيداً من يعمل ومن يكتفي بإلقاء الكلام على عواهنه”. ولم تكن منصة الداخلة مجرّد ساحة للرد، بل رسالة سياسية بأبعاد استراتيجية، إذ بدا حزب التجمع الوطني للأحرار كأنه بصدد إعلان “احتلال سياسي” جديد لمنطقة كانت تاريخياً محسوبة على حزب الاستقلال.
التجمع الحاشد، الذي حضره آلاف الأشخاص، شكّل أيضاً عرضاً للعضلات التنظيمية لحزب الأحرار، ورسالة إلى الخصوم بأن الداخلة لم تعد مجالاً مغلقاً عليهم، وأن حزب أخنوش يتقدّم بثبات نحو مواقع النفوذ في الصحراء. وقد لاحظ المتابعون حرص حزب الأحرار على رفع الأعلام المغربية فقط، دون أي شعارات أو رايات مستوردة، في إشارة ذكية للتمايز عن ممارسات سابقة لبعض الأحزاب الإسلامية، وعلى رأسها “البيجيدي”.
وفي السياق نفسه، حمل بيان المكتب السياسي لحزب الأحرار رسائل غير مباشرة، حيث أشاد بما وصفه بـ”النجاحات الاجتماعية”، خاصة تلك المرتبطة ببرنامج دعم السكن الذي تشرف عليه فاطمة الزهراء المنصوري، في إشارة واضحة إلى تحالف متين مع حزب الأصالة والمعاصرة، في مقابل تباعدٍ متزايد مع حزب الاستقلال.
ويُروّج في كواليس حزب الاستقلال أن نزار بركة يرى نفسه مرشحاً محتملاً لرئاسة حكومة ما بعد مونديال 2030، ويعتبر نفسه المنافس الجدي الوحيد لعزيز أخنوش في انتخابات 2026. وهو ما يفسّر—حسب مقربين منه—“الهجمات السياسية المنظمة” التي يشنها برلمانيو الحزب ضد التجمع الوطني للأحرار، والخرجات الإعلامية التي تضرب في العمق مصداقية تدبير الحكومة.