الصحافة _ كندا
تحولت صور شاحنة جماعة تيوغزة وهي تفرغ مساعدات أمام منزل أحد الوزراء إلى قضية رأي عام، بعدما فجّرت تساؤلات حول استغلال المساعدات الإنسانية لخدمة أجندات سياسية، في وقت صادقت فيه الحكومة، قبل أيام فقط، على مرسوم يمنع توزيع التبرعات لأغراض حزبية أو انتخابية.
ورغم الجدل الذي تصاعد إعلاميًا، رفض الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، الإجابة عن أسئلة الصحفيين حول الموضوع، مكتفيًا بتصريح مقتضب اعتُبر تهرّبًا واضحًا، في وقت تصاعدت فيه الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث رأى نشطاء أن الصمت الرسمي يزيد من الشكوك حول استغلال العمل الخيري لأهداف حزبية، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية.
القضية أخذت بعدًا أكبر مع تداول صور تُظهر لوحة ترقيم الشاحنة مُغطاة، ما اعتُبر محاولة متعمدة لإخفاء هوية الجهة المتورطة. كما أثارت التصريحات المتناقضة لرئيس الجماعة مزيدًا من الغموض، إذ بدأ بنفي علاقة الجماعة بالمؤسسة المشرفة على توزيع المساعدات، قبل أن يتراجع ويصف العملية بـ”المهمة الخاصة”، دون تقديم أي توضيحات إضافية.
مرسوم حكومي لم يُنفذ؟
المثير في هذه القضية أن الحكومة صادقت، قبل أسبوع واحد فقط، على **المرسوم رقم 2.25.152**، المتعلق بتطبيق **القانون رقم 18.18**، الخاص بتنظيم عمليات جمع التبرعات وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، والذي قُدم من طرف وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت. وينص القانون، الذي صدر سنة 2022، على ضرورة الحصول على ترخيص مسبق لجمع التبرعات، ويمنع استغلال المساعدات الإنسانية لأغراض سياسية أو تجارية، تحت طائلة غرامات تصل إلى **500 ألف درهم**.
لكن رغم هذا الإطار القانوني الصارم، لا تزال الأحزاب تتسابق نحو “الإحسان الانتخابي”، مستغلة ضعف الرقابة الميدانية، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول جدوى هذه القوانين إذا لم تجد طريقها إلى التطبيق الفعلي.
وفي أول ردّ رسمي، وجّه عامل إقليم سيدي إفني تحذيرًا لرؤساء الجماعات بشأن استخدام ممتلكات الدولة في أنشطة ذات طابع سياسي، مستشهدًا بالمقتضيات القانونية التي تمنع استغلال آليات الجماعات لأغراض حزبية. إلا أن الاكتفاء بالتنبيه دون إجراءات ردعية يعكس استمرار نهج التساهل مع مثل هذه الممارسات.
القضية تفتح الباب أمام إشكالية أعمق، تتعلق بفقدان الثقة في أي مبادرة خيرية، إذ بات المواطن المغربي يتساءل عمّا إذا كانت التبرعات تأتي بدافع التضامن الإنساني أم أنها مجرد **رشاوى انتخابية مغلفة بشعارات الإحسان**، في مشهد يرسّخ أزمة الثقة في العمل السياسي، ويؤكد أن الإشكال لم يكن في غياب القوانين، بل في عدم تفعيلها بحزم لمنع تلاعب الأحزاب بمعاناة الفئات الهشة.