الصحافة _ وكالات
للمرة الأولى منذ مغادرتها السعودية في 2003، ستعود قوات أمربكية لتتمركز في المملكة النفطية، في تطور عسكري بارز يأتي في أوج التوتر الكبير مع إيران في منطقة الخليج.
وكانت الولايات المتحدة أرسلت قوات إلى السعودية عام 1991 إبان اجتياح الكويت. وبقيت القوات الأمريكية في المملكة 12 عاما، إلى أن انهار نظام صدام حسين بعد اجتياح العراق.
فهل تنذر عودة هذه القوات للسعودية بنزاع جديد في الخليج؟
من الهجمات الغامضة على ناقلات النفط في الخليج، إلى إسقاط طائرات مسيرة والتهديدات المتبادلة، يتصاعد التوتر مع إيران منذ تشديد واشنطن العقوبات عليها في مايو الماضي، بعد سنة من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقع في 2015.
ورغم أن إدارة الرئيس دونالد ترامب قالت إنها لا تريد حربا معها، إلا أنها ألمحت إلى احتمال شن ضربات ضد الجمهورية الإسلامية بعدما اتهمتها بمهاجمة ناقلات النفط، وهو اتهام نفته إيران.
وقال الباحث في “كينغز كولدج” في لندن أندرياس كريغ المتخصص في شؤون الشرق الأوسط إن العودة العسكرية الأمريكية للسعودية “جزء من (عملية) التمركز وسعي الولايات المتحدة لزيادة خياراتها العسكرية في حال تقرر تنفيذ ضربة ضد إيران”.
وتبعد السواحل السعودية نحو 200 كلم فقط عن سواحل إيران.
وقد أكدت القيادة الوسطى الأمريكية في بيان أن الانتشار في المملكة يوفر “رادعا إضافيا” ويخلق “عمقا عملياتيا وشبكات لوجستية”.
ولم تحد د السعودية عدد القوات التي ستستضيفها عندما أعلنت ليل الجمعة السبت عودة عسكريين أمريكيين. لكن وسائل اعلام أمريكية أفادت هذا الأسبوع بأن 500 جندي سيتمركزون في قاعدة الأمير سلطان جنوب الرياض.
ورأى كريغ أن هذا العدد من الجنود لا يؤشر إلى استعدادات لحرب “خصوصا عندما نتحدث عن حرب مع إيران”. لكنه أشار إلى أن هذه القوات “ستتواجد لتجهيز قاعدة الأمير سلطان لاحتمال استضافة (…) سرب” طائرات.
بالنسبة إلى جيمس دورسي الباحث في معهد راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، تعكس الخطوة محاولة سعودية لترميم علاقاتها مع واشنطن، وإبراز الشراكة العسكرية بينهما.
واعتبر ان رسالة السعوديين للأمريكيين هي “إذا وقفتم معنا، سنقف معكم”.
وتعود بداية العلاقات السعودية الأمريكية إلى عام 1940. وفي فبراير 1945، تم تدشين شراكة تاريخية خلال لقاء جمع الملك عبد العزيز بن سعود بالرئيس فرانكلين دي روزفلت على متن البارجة الأمريكية “كوينسي”.
وبموجب الاتفاق، حصلت المملكة على حماية عسكرية مقابل امتياز الحصول على النفط. وقامت الولايات المتحدة على مدار العقود الأخيرة بمساندة المملكة عسكريا، وتدريب قواتها، وبيعها أسلحة بمئات مليارات الدولارات.
لكن هذه الشراكة واجهت تحدبات كثيرة في الفترة الأخيرة.
فقد صو ت نواب أمريكيون على خفض الدعم العسكري للمملكة في اليمن العام الماضي، وعلى منع بيع أسلحة للرياض على خلفية دورها في هذا البلد ومقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول العام الماضي.
كما رد د ترامب أن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة، تراجعت، وأن على الدول الخليجية أن تدفع لواشنطن ثمن “الحماية” التي تقدمها لها.
وفي مرحلة من التوتر الشديد مع إيران، واحتمال اندلاع نزاع معها، تسعى المملكة والولايات المتحدة للتأكيد أن العلاقة العسكرية لا تزال كما كانت عليها، وأن القوات الأمريكية جاهزة لحماية المملكة.
وقال كريغ إن ولي العهد السعودي وزير الدفاع محمد بن سلمان يسعى من خلال استضافة قوات أمريكية “لاظهار أن الولايات المتحدة لا تزال تشكل ضمانة أمنية مهمة، وأنها ملتزمة بحفظ أمن السعودية”.
ينتشر أكثر من 35 ألف عسكري أميركي في قطر والكويت والبحرين (مقر الأسطول الخامس) والإمارات وبلدان أخرى في الشرق الأوسط.
وتستضيف قطر أكبر قاعدة جوية أمريكية، هي قاعدة العديد التي يقيم فيها نحو 10 آلاف جندي بالاضافة الى قاعدة السيلية.
تأسست العديد عام 2005 بينما كانت الولايات المتحدة تبحث عن قاعدة بديلة في المنطقة بعدما غادرت السعودية في 2003.
والعلاقات بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة ثانية، مقطوعة منذ الخامس من يونيو 2017 على خلفية اتهام الدول الأربع للإمارة بدعم “الارهاب”، وهو ما تنفيه الدوحة.
وعلى عكس الدول المقاطعة لها، تقيم قطر علاقات جيدة مع إيران.
وبحسب كريغ، فإن أحد أهداف استضافة السعودية قوات أمربكية هو محاولة ولي العهد “تحويل بعض أعداد القوات الأمريكية بعيدا عن قاعدة العديد، أهم قاعدة أمريكية في المنطقة”.
وتابع أن ه “من المهم لولي العهد أن يحصل على دعم أميركي (على الأرض) ليظهر أن ه حليف أمني وثيق لواشنطن”، على غرار خصمه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.