بقلم: بنيونس المرزوقي*
إن الحديث عن وضعية مقترحات القوانين بالبرلمان المغربي، يتطلب معالجة التأطير الدستوري، والبحث في الوقائع، قبل الخروج بخلاصات في الموضوع، مع تنبيه القارئ غير المتخصص إلى أن مقترحات القوانين (Propositions) هي تلك التي تكون بمبادرة من أعضاء البرلمان، بينما مشاريع القوانين (Projets) تكون بمبادرة حكومية.
أولا: المنطلق من حصيلة الولاية التشريعية السابقة
من خلال الرجوع للولاية التشريعية السابقة، أي الولاية التشريعية التاسعة (2011-2016)، يتبين أنه لم يتم احترام المقتضيات الدستورية بخصوص التعامل مع مقترحات القوانين، فاستنادا إلى الدستور، فإنه بعملية حسابية بسيطة يتبين عدم الالتزام بها، وإليكم المعطيات:
– تتكون الولاية التشريعية من خمس (5) سنوات؛
– وكل سنة تشريعية من دورتين (2) على أساس الاشتغال أربعة (4) أشهر على الأقل كل دورة؛
– وتبعا لذلك فإن مجموع شهور العمل البرلماني العادي هو 45 شهرا؛
– وبالتالي فإن المنتظر كان هو أن يتم التصويت على 45 مقترح قانون في الحصيلة التشريعية.
لكن للأسف الشديد، فقد بلغ عدد مشاريع القوانين المودعة من قبل الحكومة: 389 مشروع قانون، تمت المصادقة من بينها على 359 نصا، أي ما يبلغ نسبة 92%من النصوص القانونية، في الوقت الذي رغم أن مجموع مقترحات القوانين من أصل برلماني بلغت 185 مقترحا، فإنه لم تتم المصادقة من بينها إلا على 20 نصا فقط!!
ثانيا: التأطير الدستوري لمقترحات القوانين
رغم أن الفصل 78 من الدستور منح لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين، فإن ذلك لم يؤد إلى أي توازن أو على الأقل تقدم ما في التعامل الحكومي الإيجابي مع مقترحات القوانين. وعادة ما لا تُعبر الحكومة حتى عن رفضها لهذه المقترحات بكيفية صريحة في حالة ما إذا كانت لا تدخل في مجال القانون وذلك بالاستناد على الفصل 79 من ا لدستور الذي يسمح لها بأن تدفع بعدم قبول كل مقترح أو تعديل لا يدخل في مجال القانون بإحالة الأمر على المحكمة الدستورية لتبت فيه إذا حدث أي خلاف حول الموضوع.
وحتى من زاوية الزمن التشريعي، فإنه إذا كان جدول أعمال بعض الدورات التشريعية مليئا بنصوص أو أنشطة أهم، فإن الفصل 80 من الدستور سمح بإحالة مشاريع ومقترحات القوانين لأجل النظر فيها على اللجان التي يستمر عملها خلال الفترات الفاصلة بين الدورات.
والأكثر من كل هذا، هو أن الفقرة الثانية من الفصل 82 من الدستور تنص على أنه ” يخصص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين، ومن بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة”، ومعنى ذلك أن كل دورة تشريعية من أربعة أشهر يُفترض أن تتم المصادقة خلالها على أربع (4) مُقترحات قوانين، وبالتالي ثمان (8) مقترحات قوانين على الأقل كل سنة تشريعية، أي ما مجموعه 40 مقترح قانون كل ولاية تشريعية على الأقل.
ثالثا: وضعية مقترحات القوانين في الولاية الحالية
وفق المعطيات المتوفرة حاليا، فإن عدد مقترحات القوانين المودعة بمجلس النواب قد بلغت 131 مقترح قانون (للمقارنة هناك 61 بمجلس المستشارين)، منها:39 للعدالة والتنمية، 34 للفريق الاستقلالي، 27 للأصالة والمعاصرة، 26 للفريق الحركي، 22 للفريق الاشتراكي، 13 للتجمع الدستوري، …
ولتوضيح تنوع المجالات التي بادر النواب والنائبات إلى تقديم مقترحات قوانين بخصوصها، نُشير إلى أنها شملت: 33 مقترح قانون تهم وزارة الداخلية، 27 تهم وزارة العدل، 26 للاقتصاد والمالية، 15 لوزارة الصحة… مع الإشارة إلى أن بعض القطاعات رغم أهميتها لم تحضا بالاهتمام اللازم: 5 مقترحات قوانين فقط للشغل والإدماج المهني، و3 فقط لإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، ومقترحي قانون فقط (2) لمجالات التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي….
رابعا: التعامل الحكومي مع مقترحات القوانين
من خلال ما توفره المواقع الرسمية المؤسساتية، فإنه من مجموع 131 مقترح قانون، فإن 86 مقترحا لم يُشرع في دراستها، وأنه شُرع في دراسة 45 مقترح قانون.
لذا، نتساءل هنا عن التعامل الحكومي مع مقترحات القوانين، والأسس التي تنبني عليها المواقف الحكومية؟
متن خلال متابعة الممارسة الحكومية في البرلمان، يتبين أن الحكومة تستند على اعتبارات عديدة في التعامل مع المقترحات، نُجمل بعضا منها في العناوين التالية:
– مقترحات تعديلية جزئية؛
– مقترحات تتطلب المزيد من التدقيق؛
– مقترحات جزئية تندرج في إطار مشروع حكومي أوسع وأشمل؛
لكن هذا ينبغي ألا يحجب عنا أن هناك مقترحات قوانين مُتكاملة وذات أهمية، إلا أن الموقف الحكومي منها يعود لأسباب أخرى، أهمها:
– إما أنها مقترحات غير متلائمة مع التوجه الحكومي؛
– أو أن هناك موقف سياسي من وراء إهمالها.
خامسا: أمثلة تزكي تحليلنا
لا يُمكن أن نُشير هنا إلى كل مقترحات القوانين التي تكتسي أهمية ما، ولكن سنكتفي ببعض الأمثلة التي تضع القارئ في الصورة:
– مقترح قانون يقضي بإحداث هيئة قضايا الدولة (عدد المواد 60)، تمت إحالته للمجلس بتاريخ 27 يناير 2017؛
– مقترح قانون بإحداث الوكالة الوطنية لتدبير أراضي الدولة (16 مادة)، تم تقديمه أمام اللجنة بتاريخ 2018/07/16؛
– مقترح قانون يتعلق بتنظيم وتدبير أملاك الدولة الخاصة (25 مادة)، تم تقديمه أمام اللجنة بتاريخ 2018/07/16؛
– مقترح قانون إطار يتعلق بالمناخ (31 مادة)، تم تقديمه أمام اللجنة بتاريخ 2019/01/07، ويُشير موقع الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان إلى أن السيدة الوزيرة قد أبدت موافقتها المبدئية على أساس تعديل المقترح على المستوى الشكلي حيث تحفظت على “قانون إطار”؛
وأخيرا، نُشير إلى أنه رغم التعاطف الشعبي الواسع الذي أثاره مقترح مقترح قانون القاضي بمنع تعدد الأجور والتعويضات في الهيئات الترابية والمهنية المنتخبة والمؤسسات الدستورية والإدارية (8 مواد)، فإنه بدوره لا يزال حبيس الأدراج رغم أنه تم تقديمه بتاريخ 2018/01/09.
على سبيل الختام..
نظم القانون الداخلي لمجلس النواب مختلف مراحل المسطرة التشريعية، ورغم أنه منح اللجان الدائمة صلاحية برمجة مناقشة مقترحات القوانين بعد إحالتها على الحكومة ومرور أجل معين، فإن ذلك بدوره لم يتم استعماله. فالنظام الداخلي للبرلمان لا يُمكن الشروع في تطبيقه إلا بعد تصريح المحكمة الدستورية بمطابقته للدستور، ولذلك فاحترام مقتضياته واجب ليس على البرلمان لوحده ولكن أيضا على الحكومة.
بن يونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق وجدة