الصٌَحافة _ فوزية لهلال
في سنة 1984 ألقى الملك الراحل الحسن الثاني خطابا شهيرا بالدارجة المغربية، وهو نفس الخطاب الذي نعت فيه ساكنة الريف بالأوباش، في هذا الخطاب، جاء على لسانه أنه حين كان وليًّا للعهد، سأل والده الملك محمد الخامس :
إذا كنت ذاهبا إلى المدينة لتصلّي.. وفي الطريق وجدت 800 ألف مغربي يقولون يحيا الملك، و200ألف كَيْصَفّْرُوا (في إشارة الى الرفض والاحتجاج)، فماذا عساك تفعل؟”
أجاب محمد الخامس مستنكرا:
” إلا كانَتْ وَقْتْ قَلَّةْ الحْياَ، وْقْتَكْ هاديكْ، أنا بْعْدا ماغاديشْ نَهْبَطْ.. وأنت؟”
أجابه الحسن الثاني:
إلا كنت عارف الأغلبية غادي تقول يحيا الملك والاقلية غادي تقول يسقط.. نْهْبَطْ، وما حَدِّي غادي في المشروعية، هادوك اللي قالوا يسقط (نْخْلي دار باباهم.)
لا صوت آنذاك كان يعلو فوق صوت الزرواطة، المقاربة الأمنية كانت خيار المرحلة، وسياسة التخويف والتركيع تلك أنجبت اجيالا ولدوا في القفص، وترعرعوا فيه حتّى اعتقدوا ان الطيران جريمة، فأحبوا سجانيهم.
في عهد محمد السادس، اتسعت رقعة الحريات، واتسعت معها الأحلام بدولة ديموقراطية، نكون فيها مواطنين.. لا رعايا نسمع ونطيع، كنّا نريد الإنهاء مع ثقافة المخزن.. وسياسة ” خلي دار بوه”، وولدت أجيال خارج القفص.. تتنفس حرية وكرامة، وتريد المشاركة في بناء مغرب يسع الجميع.
بعد مرور 35سنة على خطاب الدوس بالأقدام، وتكسير العظام ذاك، ها نحن اليوم بعد الأحكام علي شباب الريف وحميد المهداوي وبوعشرين ،نجد انفسنا أمام نظام سياسي يرفض ان يطالبه المواطن بحقوقه بالطرق السلمية…ويريد رعايا، يسمعون ويطيعون!
قبل الحراك، كان شباب الريف يعاني التهميش والبطالة في منطقة جل مشاريعها التنموية ظلت محَلَّك سر ، فكان من المتوقع بعد شرارة مقتل محسن فكري ان تندلع الاحتجاجات التي كشفت عن غابة فساد ونهب للمال العام..واُقيلَ على إثرها وزراء ومسؤولين..في نوعٍ من الاعتراف الضمني بأن هؤلاء ما خرجوا إلا لحقّ..
شبابٌ وطني خُوِّنَ فيما بعد، ووصم بالانفصال..والمطالب اجتماعية تنموية.
هؤلاء الذين وزعت عليهم أحكام بعشرات السنين..سيُثقلون ذاكرة الريف، لأنك امام منطقة لها ماضٍ متوتر مع المركز..مثخنة بالجراح، والتهميش والعزل.
ريف يتحرَّكُ بذاكرة…وجبالٌ ارَّخت لبطولة رجال في الذوذ عن الارض، ودحر المستعمر.
ريفنا المغربي بثقافته الأمازيغية الضاربة في عمق الأرض والتاريخ..بلغته..بخصوصيته التي تثري التنوع الثقافي المغربي…وبعلم هوِيَّاتي مشترك بين امازيغ شمال افريقيا يعلنون من خلاله تشبتهم بالثقافة والهوية الامازيغية…التي نفتخر بها كمغاربة..
انه وقت التكتل والانصاف والوحدة الوطنية وطي ملف الريف…. لان تصالح الوطن مع ابناءه صار ضرورة وليس ترفا.