من يحمي الطبقة المسحوقة بالمغرب؟

9 مارس 2025
من يحمي الطبقة المسحوقة بالمغرب؟

الصحافة _ بقلم: عبد الكريم ساورة

الكثير من السياسيين المغاربة دائما يرددون بعض المقولات المغلوطة لإيهام الشعب آو محاولة تخديره عن الحقيقة، ومن بين هذه المقولات أن المغاربة ليس لهم سوى ارتباط واحدة بمادة عزيزة على قلوبهم وهذه المادة هي المطر، وهذا حق يراد به باطل كما يقول العقلاء.

نعم المغاربة يحتاجون للمطر، وهذا طبيعي جدا مادام الأغلبية العظمى لها ارتباط وثيق بالأرض، وبالزراعة، ووقفة صغيرة لتاريخ المغرب فأغلب المغاربة كانوا يشتغلون على الزراعة والكسب والتجارة، ولهذا فالدولة المغربية بعلو شأنها لم تغير من طبيعة نشاطها على هادين القطاعين تاريخيا وبذلك لم تغير من جلدها كما فعلت جارتنا الجزائر التي نهجت أسلوبا وطريقا آخر وهو المجال الصناعي والذي أبانت السنوات فشلها الدريع في خلق صناعة محلية ومتطورة.

ومن باب الاعتراف بأصالة المغرب ووجاهة اختياره، فقد كان الحسن التاني حريصا في لحظة اشتداد الصراع بين المعسكر الإشتراكي والرأسمالي أن ينحو اختيار سياسة السوق وتشجيع الاستثمار والاعتماد على الفلاحة، أولا : كأداة في تحقيق الاكتفاء الذاتي وبالفعل قد نجح في تحقق هذا المطلب رغم شح الأمطار خلال بعض الفترات من تاريخ المغرب، و قد كان المغاربة لايجدون أية صعوبة في الحصول على الخبز والسكر والخضر وقليل من اللحوم مع سيادة القمع الذي كان يسيطر على الحياة العامة، ثانيا : كأداة من أدوات التنمية ورغم ماكانت تُعرفُ به الفلاحة المغربية من طريقتها التقليدية في العمل وكذا إمكانياتها البسيطة فقد كانت تساعد وبشكل كبير في تحقيق استقلالية المغرب ونموه ولو بشكل بطء جدا، وقد نجحت الدولة المغرية ورغم سنوات من الجفاف في الحفاظ على عرض كل مايحتاجه المغاربة للإستهلاك وبأسعار معقولة ودائما في حدود تحقيق توازن بين العرض والطلب، وبهذه الطريقة ظل المغاربة وخصوصا الطبقة الفقيرة محمية من قسوة السوق ومن جشع المضاربين والوسطاء ورجال المال الذين لايعرفون قيمة الاستقرار.

في تونس، في بلد ليس بعيدا عنا نجح صاحب عربة في إشعال فتيل الثورة وإسقاط نظام بن علي، والكل يعرف أنه كان نظاما بولسيا بامتياز، ولاأحد كان يصدق أن يتحقق هذا وبتلك السرعة والسلاسة، ولهذا فاستقرار البلدان لايمكن أن يحميه رجال المال لسبب بسيط أنه لايهمه سوى ماله ونشاطه الاقتصادي وأرباحه ومصالحه الشخصية، ولهذا فكلمة الاستقرار لاتعنيه لمن قريب أو بعيد، وكما يقال ” المال جبان ” فهو مستعد للقفز والهروب من بلاد الى بلاد ومن قارة الى قارة في أي لحظة عند شعوره بالخطر أو الفشل، لهذا على الدولة أن تكون حريصة لحماية هذا الاستقرار وهذا لن يتحقق مالم تحمي شعبها من جشع وسطوة رجال المال الذين لايؤمنون بعقيدة الوطن وإنما يؤمنون بعقيدة المال .

ويجب الإشارة أن المغرب ورغم ماحضي به من الإشادة الدولية نظرا لما حققه من استقرار على كل المستويات، إلا أن هناك تفاوتا خطيرا في البنية السكانية، بحيث لم نعد نعثر لأي أثر للطبقة الوسطى بالمغرب التي كانت تعتبر صمام آمان للتوازن المجتمعي، وكذا خلق دينامية على كل الجبهات، لكن اليوم برزت بوضوح شريحة واسعة من الفقراء كطبقة فاقدة لكل وسائل العيش الكريم وتعاني في صمت دون أن تجد من ينقل صراخها، في غياب أية جهة سياسة أو حقوقية تدافع عن قضاياها، وهذا خطير جدا على استقرار البلاد عندما لاتجد أي جهة تحمل صوتك المبحوح إلى الجهات العليا.

بالمقابل نجد طبقة وهي تشكل الأقلية من رجال المال والأعمال والسياسيين ورجال الإدارة والإقطاعيين تهيمن على البلاد وتسيطر على كل شيء، بما في ذلك حرية التعبير، حتى الكلام أصبح ممنوعا وإذا تكلمت عن شيء يضرك وأردت أن تشكو منه فقد تصيبك لعنة المتابعة وقد يزج بك في السجن على بضع كلمات تفوهت بها في لحظة غضب أو إحساسك بالقهر والمهانة.

مانعيشه اليوم خطير جدا، فالحكومة ترفع شعار ” الدولة الاجتماعية ” وعلى ” مخطط المغرب الأخضر ” معتمدة فيه على تصدير الحوامض بكلفة باهضة ، لكن الشعب المغربي كاملا بمعنى الطبقة المسحوقة تصرخ بكل الوسائل وفي كل الوسائل غلاء الأسعار في كل شيء، غلاء خطير سوف يأتي على الأخضر واليابس، وبهذا سوف يساهم في تقويض الوضع ويساعد لامحالة في زلزلة استقرار المغرب وقد رأينا كيف ظهرت حكمة عاهل البلاد الملك محمد السادس في تهدئة الوضع مؤخرا مع ماحدث مع الشاب ” بائع الحوت ” الذي تعاطف معه كل الشعب المغربي وكادت تخرج الأمور عن السيطرة.

على الدولة أن تعي جيدا أن كلفة الاستقرار لاتقدر بثمن، وجوهر هذا الاستقرار هو حماية الشعب المغربي من بطش الفساد الذي أصبح يشكل غولا يريد أن يلتهم الجميع وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، والخطير أن مظاهر هذا الفساد امتدت في كل شيء بما فيها القوت اليومي البسيط للطبقة المسحوقة وهذا في نظري خط أحمر وعلى الدولة أن تتدخل لحماية هذه الفئة من تغول هذا الفساد قبل أن يقع الفأس على الرأس، لأن كل الأصوات المواطنة الغيورة على ملكها ووطنها أصبحت تصرخ وتحذر من عواقب هذه السياسات اللاشعبية وأنه لامحال أن سياسة لامبالاة والقمع وفرض الأمر الواقع سيكون لهما تبعات خطيرة على استقرار البلاد .

كاتب صحافي مغربي.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق