الصحافة _ بقلم: عبد الله الزهراوي
من هناك، من عمق تاونات، حيث تتقاطع الجغرافيا بالكرامة وتُختبر المؤسسات في أدق معاني حضورها، خرج محمد الحجيرة، لا بوعودٍ مستعارة، ولا بشعاراتٍ مصقولة، بل بسيرة رجلٍ جعل من السياسة شأناً يومياً يُمارَس على الأرض قبل أن يُناقَش في القبة.
هو نائب برلماني باسم حزب الأصالة والمعاصرة، لكنه قبل ذلك ابن الجماعة، وتحديدًا جماعة تمزكانة، التي لم يتركها يومًا خلفه حين دخل مؤسسات الرباط. لا يفصِل الحجيرة بين مهمته كرئيس جماعة ترابية ومهامه كنائب برلماني، بل يوحّد بينهما في مشروعٍ واحد عنوانه: القرب. قرب حقيقي، لا رمزي، ولا مناسباتي.
في البرلمان، يُعرَف بكونه أحد الأصوات الهادئة لكن الثقيلة، رجل مواقف لا بيانات، يشتغل على الملفات لا على الأضواء. يدافع عن قضايا ساكنة تاونات بنفس الحدة التي يتابع بها ميزانية الطرق والمسالك والمدارس والمستوصفات والملاعب. وفي كل مداخلة له، تُلمس تلك العلاقة العضوية بين المسؤول والمؤسسة، بين المنتخب والناس.
أما في تمزكانة، فهو ليس رئيسًا بمفهوم “الإمضاء”، بل رئيسٌ بالميدانية، بالتتبع، بالوجود شبه اليومي في التفاصيل. لا يوقع مشروعًا دون أن يزوره، ولا يُمرر قرارًا دون أن يُشاور. جماعة تمزكانة تحت رئاسته تحوّلت إلى تجربة في المواطنة الترابية: مواكبة، إنصات، تنفيذ، ورؤية.
الحجيرة لا يتعامل مع السياسة كامتياز، بل كتكليف. وهذا ما يجعل منه نموذجًا نادرًا لما ينبغي أن يكون عليه “برلماني القرب” في المغرب العميق. يجمع بين الحس المحلي والوعي الوطني، بين اللغة المؤسساتية والنبرة الصادقة التي لا تُدرَّس في الخطابات، بل تُكتسب من عيش الواقع، ومعايشة الناس.
ليس في قاموسه فصلٌ بين الجماعة القروية ومجلس النواب، بين تمزكانة والرباط، بين هم المواطن وصوت النائب. محمد الحجيرة هو ذلك الجسر الذي يربط المؤسسات بالساكنة، ويمدّ الخط بين الميدان والمركز من دون أن ينكسر تحت ضغط التوازنات.
هذا هو محمد الحجيرة… ليس فقط برلمانيًا، بل رجل سياسة من طراز نادر، يجمع بين رصانة المؤسسة ودفء القرب، بين وفاء الانتماء وشجاعة المواجهة. يمضي في طريقه دون ضجيج، لكن أثره لا يخفى على من يعرف خريطة المغرب الحقيقية: من تمزكانة إلى البرلمان.
