بقلم: عبد الصمد بنشريف
رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يقر بأن مبادرة “الحكم الذاتي” المغربية المقترحة لحل النزاع المفتعل في الصحراء هي “بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف”.
هذا القرار يمكن اعتباره ولو بشكل مبكر وبدون تردد، إعلان مبادئ ومدخلا أساسيا لإعادة بناء الثقة فهو يشكل كما ذهبت إلى ذلك الحكومة الإسبانية” مرحلة جديدة في علاقتنا مع المغرب تقوم على الاحترام المتبادل، واحترام الاتفاقات، وغياب الإجراءات الأحادية، والشفافية والتواصل الدائم”.
هذا الموقف/المنعطف لم يعجب النظام الجزائري وقابله بكثير من الاستهجان والاستغراب، فقد رأى فيه صدمة ومفاجأة. وهذا ما جعله يستدعي على الفور سفيره في مدريد، لإجراء مشاورات. وهذا ماتضمنه بيان لوزارة الخارجية الجزائرية التي قالت بالحرف: “تفاجأت السلطات الجزائرية بشدة من التصريحات الأخيرة للسلطات الإسبانية”.
وتستغرب الانقلاب المفاجئ لإسبانيا في ملف القضية الصحراوية” وفي إطار تطابق المواقف والمشاعر. نفس الاستغراب عبرت عنه جبهة البوليساريو التي انتابتها نوبة غضب عارمة. ورأت في الخطوة الإسبانية انحرافا خطيرا يتعارض مع الشرعية الدولية. ودعت القوى السياسية والنقابية والجمعيات المدنية في إسبانيا إلى التصدي لقرار حكومة سانشيز قصد إلغائه.
تأسيسا على ما سبق، نتساءل لماذا يهرول النظام الجزائري إلى نسف أي سيناريو أو موقف مناصر لمقترح الحكم الذاتي المغربي لحل نزاع الصحراء؟ أليس استدعاء سفيره في مدريد على وجه السرعة، هو تعبير واضح وحجة قوية ودليل دامغ على أن الفاعل الرئيسي في نزاع الصحراء هي الجزائر؟ إنها مهندس التصعيد والتوتر ومعرقل كل الحلول. وهي صانعة جبهة البوليساريو التي رعتها ومولتها وسلحتها وجعلت منها أداة لمعاكسة المغرب والوقوف في وجه مطالبه والنيل من وحدته الترابية والتشويش على صورته ومكانته وسمعته؟
من هذا المنطلق، يتعين على النظام الجزائري ألا ينافق ويلعب على حبال ازدواجية المواقف، وتسويق خطابات تمويهية لاتعكس الحقيقة، لتضليل الرأي العام الدولي. فكيف يمكن أن نصدق تشدق النظام الجزائري بكونه ليس طرفا في نزاع الصحراء، وكم يلزم الرأي العام الدولي من الغباء والسذاجة ليثق في الدبلوماسية الجزائرية التي لاشغل لها سوى حشر ملف الصحراء في أي محفل أو مؤتمر أو منتدى. وتنصيب نفسها محاميا لجبهة البوليساريو بشكل يدعو فعلا إلى الاستغراب. والشفقة في نفس الوقت.
لقد اتضح بما لايدعو للشك والريبة، أن النظام الجزائري هو من يتحمل المسؤولية في مآسي إخواننا ومواطنينا المحتجزين في تندوف. وهو من يتحمل المسؤولية في تفكيك وتفتيت الاتحاد المغاربي، والانخراط في سياسة المحاور لتكبيل المغرب وخنقه.
ربما ما يعتقده النظام الجزائري موقفا مبدئيا فيما يتعلق بنصرة حق الشعوب في تقرير مصيرها هو أقصى درجات الافتراء والنفاق، فهو يوظف هذا المبدأ في السياق الخطأ والزمن الخطأ والجغرافية الخطأ. ويستهلكه قصد التضليل وشحن فئات من المجتمع الجزائري مازالت ضحية خطاب الشرعية الثورية التي يتحصن بها السيستيم .ويحرص على إعادة إنتاجها، عبر مؤسسات وقنوات وأدوات، ليبقى هو المحتكر والمتحكم الوحيد في التاريخ، والمنتج الرسمي للسردية المندورة، لتسويغ وشرعنة عمليات تزوير الوقائع، وقلب الحقائق وتضبيع الأجيال الحالية، وإثقال كاهلها وحشو عقولها وقلوبها بجرعات وافية من الكراهية والعدوانية والضغينة والشك تجاه المغرب.