الصحافة _ كندا
في سابقة غير مألوفة في لغة المسؤولين الحكوميين، فاجأ وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، الرأي العام الوطني حين ظهر أمام عدسات الكاميرات وهو يوبّخ المندوب الإقليمي للصحة بمكناس، محمِّلا إياه مسؤولية الوضع الكارثي الذي يعيشه المستشفى الإقليمي محمد الخامس، قبل أن يفجر قنبلة لغوية غير مسبوقة: “طلع للرباط واحتج على الوزارة!”.
هكذا وبكل بساطة، لم يتردد الوزير في تحريض ممثله الإقليمي على الاحتجاج… ليس على جهة أخرى، بل على وزارته نفسها، التي يقودها هو شخصيا. مشهد عبثي جمع بين الوعيد والاعتراف الضمني بالعجز، ليطرح سؤالا جوهريا: إذا كان الوزير يدعو أطره إلى الاحتجاج على وزارته، فمن يحتج على الوزير نفسه؟
الوزير التهراوي، الذي ذهب إلى مكناس في زيارة تفقدية، وجد المستشفى غارقا في النواقص والمشاكل، فاختار أن يلقي باللوم على المندوب الإقليمي، وكأنه لم يمضِ أسابيع فقط على توليه المنصب الحكومي، وكأن السياسات الصحية لا تُرسم في الرباط، بل في دهاليز المندوبيات الإقليمية.
إن تحريض الوزير بمثابة رسالة صادمة إلى الرأي العام مفادها أن الوزارة تعرف جيدا حجم الخراب، لكنها بدل أن تتحمل المسؤولية المركزية، تدفع مسؤوليها الإقليميين إلى لعب دور المتظاهرين أمام أبوابها! فهل تحولت الإدارة إلى ساحة احتجاجات داخلية؟ وهل سنرى يوما المندوبين يقيمون وقفات أمام وزارة الصحة استجابة لنداء “وزيرهم”؟
إنها لحظة تكشف عمق أزمة المنظومة الصحية: وزير يوبخ، مندوب يبرر، مواطن ينتظر، ومرضى يئنون. لكن الأخطر أن الوزير نفسه يشرعن الاحتجاج كوسيلة لتصحيح الأوضاع، بدل أن يقدم حلولا عملية. وإذا كان رأس القطاع يعترف ضمنيا بأن لا صوت يُسمع في الرباط إلا صوت الاحتجاج، فكيف نلوم المواطن البسيط حين يخرج للشارع ليطالب بحقه في العلاج؟
إن المغاربة اليوم أمام صورة وزارية غير مسبوقة: وزير يحرض موظفيه على الانتفاض ضده في العاصمة، في لحظة تُجسد العبث الإداري بأوضح صوره. فهل كان أمين التهراوي واعيا بما قاله؟ أم أن slip of the tongue فضحت حقيقة ما يجري في كواليس قطاع يحتضر؟














