في التاسع عشر من شهر فبراير 2011 التقى عدد من مستشاري المجلس البلدي لمدينة الدارالبيضاء، بأحد مقاهي المدينة، لمناقشة خطة عمل تهدف إلى الإطاحة بالعمدة السابق ساجد، وعند نهاية اللقاء تشاور مجموعة من الصحافيين بخصوص تغطية أول خرجة احتجاجية لحركة 20 فبراير، ليخلصوا في الأخير إلى قرار البقاء في بيوتهم، مخافة أن تشتعل الشوارع ويختلط الحابل بالنابل.
كنت أجلس في ركن من المقهى مع أحد أقربائي، فالتحق بنا أحد رجال الأعمال المغاربة الفاعلين في مجال العقار، فضلا عن محافظ بمدينة الدار البيضاء، وصحافي بالإذاعة الوطنية. وبعد طقوس السلام والترحيب والتنكيت، انطلق رجل الأعمال في سرد تفاصيل لقائه الأخير بضواحي مدينة تطوان مع عدد من الأثرياء المغاربة والأجانب، والذين يمتلكون فيلات في منتجعات سياحية على شريط البحر الأبيض المتوسط بين تطوان والفنيدق.
الأمر يتعلق، حسب رجل الأعمال المغربي، بلقاء للاتفاق على طريقة للرد على شركة “أمانديس”، التي وافتهم في الفترة الأخيرة (قبل فبراير 2011)، بفواتير مرتفعة جدا، وبدون أي مبرر، فظهرت علامات التوتر عليه وهو يتكلم عن آخر فاتورة توصل بها، وصلت قيمتها 30 ألف درهم، مع العلم أن منزله كان مقفلا منذ العطلة الصيفية.
“اللهم إن هذا منكر”، هكذا ختم الفاعل المغربي في مجال العقار كلامه، وهو يتكلم عن فاتورة “أمانديس” مرتفعة الثمن، ليس لأنه لا يملك ثمن سدادها، ولكن لأنه يرى أنه من غير المعقول دفع مبلغ مالي مقابل خدمة لم يتلقاها، أو مياه لم يستعملها.
“وكان من بين الحاضرين في الاجتماع ذاته رجل أعمال مصري”، يقول صاحب الشركات العقارية المغربية، مضيفا: “وقف رجل الأعمال المصري غاضبا، وصرخ في وجه الجميع قائلا: مش ممكن، الشبيحة دول يعملو فينا كدا…”.
كلام الرجل المصري لم يرق رجل الأعمال المغربي الذي رد عليه غاضبا: “لن أسمح لك بمخاطبة مغاربة بكلمة “شبيحة”، فهذا المصطلح غريب عن ثقافتنا، وإذا كان مالكو الشركة فرنسيين، فإداريوها مغاربة..أطالبك بسحب عبارة “الشبيحة” حالا”، حسب رواية الفاعل المغربي في مجال العقار.
أثرياء مغاربة، وآخرون مستثمرون بالمغرب، اختاروا شراء فيلات بمنتجعات سياحية شمال المملكة، لكنهم اكتووا بنيران فواتير “أمانديس”، فقرروا عقد ذلك الاجتماع بداية سنة 2011، من أجل الاتفاق على خطة للرد على الشركة الفرنسية؛ فيما تحملت الطبقة الشعبية من ساكنة الشمال لهيب الفواتير بضع سنوات، لتقرر الاحتجاج مؤخرا بمدينة طنجة، بعد أن أنهكتها فواتير استهلاك الماء والكهرباء المرتفعة الأثمان