الصٌَحافة _ عبد الحميد العباس
مكافأة الفساد لم تكن يوما سوى إطعام دينصور لا يعرف معنى الشبع. (ياسر ثابت)
الدستور المغربي ينص على المساواة في شتى المجالات بما في ذلك الإنخراط في العمل السياسي عن طريق الإنتماء الحزبي ما لم تكن طبيعة و حساسية المهنة تقتضي المنع كما هو الشأن بالنسبة للمؤسسة العسكرية أو الأمنية..;
إذن فمن حق التاجر كمواطن الإنخراط في العمل السياسي، ولكن هل يستقيم تدبيره للشأن العام؟ على اعتبار أن هذا التدبير فيه تصرف بالمال العام؟ هنا الإشكالية، حيث أن التاجر بطبعه يسعى إلى الربح و مراكمة الثروة الخاصة في ظل نظام المبادرة الحرة، في حين أن تدبير الشأن العام يسعى إلى المصلحة العامة.
هل يستطيع التاجر بعقليته تلك أن يفصل بين ذمته المالية الخاصة والذمة المالية العامة، وأن لا يسقط في شبهة عدم التعفف والعفاف، وعن الخلط بين صفقات التجارة التي يحكمها القانون التجاري و هو قانون خاص يساعد على الربح، و الصفقات العمومية التي يحكمها القانون الإداري العام الذي يهدف إلى المصلحة العامة؟ أم أنه سيعتبر مناسبة تدبير الشأن العام فرصة تجارية لا تعوض لمزيد من الربح والإستفادة من مجال الريع.
لقد قالها عالم الإجتماع ابن خلدون السياسة و التجارة مفسدة.
مناسبة هذا الحديث و المناسبة شرط كما يقال، هو أن العديد من التجار ورجال الأعمال أي ما يسمى في أدبيات علم السياسة بالأعيان، اقتحموا الفعل و العمل السياسي و تدبير الشأن العام الترابي، وذلك بحكم قوة المال و الفراغ الذي بات يطبع المشهد السياسي الحزبي نتيجة عزوف أصحاب الفكر و الثقافة و التقنية عن الإنخراط في الأحزاب والحركات الإجتماعية ومن تم التخلي عن المساهمة في تدبير الشأن العام.
وبالمحصلة من كل ما سبق تحول الشأن العام من إبداع للحلول و إنتاج الأفكار و تذليل الصعوبات، إلى مناسبة و فرصة للتجارة والإسترزاق و الغنائم و السمسرة و استغلال الصفة الإنتخابية لتحقيق مآرب شخصية و مناسبة للتحايل على القانون و انتهاز المنصب الإنتخابي للظفر بالصفقات العمومية بأسماء و شركات في الواجهة.
في الدول ذات التقاليد الديمقراطية العريقة، نجد أن التجار ورجال الأعمال ينتظمون في مؤسسات مهنية تشكل إطارهم القانوني للدفاع عن مصالحهم و الضغط على الحكومات و الهيئات المنتخبة لتوجيه سياساتها في الإتجاه الذي يوافق تطلعاتهم و مصالحهم، أو اللجوء في بعض الأحيان إلى تمويل الحملات الانتخابية لحزب أو شخص معين للدفع به إلى مركز القرار ،خدمة لأجنداتهم الإستثمارية أو التجارية، في حين أنه في الدول التي تعيش العبث و العشوائية، تجد التاجر ورجل الأعمال في موقع المسؤولية الإنتخابية أو الحكومية ليفعل ما يشاء بما يشاء ولمن يشاء مستفيدا من سبق المعلومة ومن امتياز اتخاذ القرار.
إذن لا عجب أن نجد تاجرا في قرية أو مدينة صغيرة يستفيد بدون حسيب ولا رقيب من أغلب الصفقات العمومية و الإستفادة من جزء من عطايا منح التظاهرات، بل المتاجرة بها وإلحاقها بعملياته التجارية، ما دامت العقلية المتحكمة منذ البداية هي عقلية الربح الخاص عوض الإنتصار للمصلحة العامة،في غياب شبه مطلق لسلطات المراقبة الإدارية،و مؤسسات الرقابة و التدقيق المالي.