بقلم: محمد بوبكري
يجمع خبراء الشأن الاقتصادي والمالي الجزائري على أن الجنرالات قد نهبوا عائدات البترول والغاز وهربوها إلى حساباتهم البنكية بالملاذات الضريبية الموجودة في مختلف الجزر المشهورة بذلك عالميا، حيث تبقى حساباتهم في سرية تامة، كما أنهم ليسوا ملزمين بتأدية أية ضرائب على الملايير المودعة في حساباتهم البنكية هناك.
لقد نشرت “منظمة النزاهة الدولية” تقريرا في سنة 2008 كشفت فيه أن الرشوة والنهب والفساد والتهريب والتهرب الضريبيين إلى جانب العمليات المالية الوسخة وغير المشروعة، كلفت الجزائر فاتورة خيالية، حيث تمكنت شبكات الفساد من تهريب 13.6 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 2008، بمعدل 1.7 مليار دولار سنويا. ومن وجهة نظر اقتصادية، فقد تأمل بعض الخبراء الجزائريين في هذا المبلغ الضخم، الذي تم تهريبه، فوجدوا أنه لو تم الاحتفاظ به في الجزائر واستثماره محليا، فإنه كان سيمكن الجزائر من بناء 652800 مسكن على أساس سعر متوسط، حسب أسعار التكلفة الرسمية المعتمدة من قبل السلطة آنذاك. وفي حال ما إذا تمكنت الحكومة من التحكم في أسعار الإنجاز وتخفيضها نسبيا، فقد كان هذا المبلغ سيسمح لها ببناء 979200 مسكن. وبالتالي، فإنه سيمكن الحكومة من حل أزمة السكن التي أصبحت من القنابل الموقوتة الأكثر تهديدا بالانفجار الاجتماعي في وجه حكام الجزائر.
كما حذرت هذه المنظمة حكام الجزائر والحكومات التي تعاني بلدانها من ظاهرة الفساد المالي، من عواقب التكلفة الاقتصادية والاجتماعية المضاعفة التي تتحملها الخزينة العمومية والشرائح الاجتماعية الأكثر فقرا وهشاشة، مشددة على أنه يعود أصل حوالي 65 بالمائة من تلك الأموال المهربة إلى الخارج، إلى التلاعب والسرقات والغش الضريبي والتهريب وتضخيم الفواتير في المعاملات التجارية الدولية، ما ينجم عنه أيضا خسائر في المداخيل الضريبية للدولة. ويكفي القول إن الجزائر كانت تحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم من ناحية الميزانية العامة الاقتصادية للدولة، أي ما للدولة وما عليها، وذلك حسب إحصائيات سنة 2010. أما في سنة 2011، فقد صارت الجزائر تحتل المرتبة 57 على مستوى العالم، حيث تقهقر ترتيبها في سنة واحدة بمقدار 55 رتبة. لذلك، استنتجت هذه المنظمة أن الجزائر تعيش حالة من التكالب على ممتلكات الشعب الجزائري ومكتسباته، بشكل غير مسبوق. وإلى أن يحين إيجاد الحلول وتفعيلها، يبقى الشعب الجزائري والوطن وحدهما الضحية الأكبر لهذا الفساد…
خلاصة القول، إذا كانت أموال الشعب الجزائري المهربة إلى الخارج من قبل الجنرالات تقدر بجبال من المليارات، فإن الشعب والوطن الجزائريين لم يستفيدا شيئا من العائدات الخرافية للبترول والغاز الجزائريين، حيث بلغت عائداتهما في فترة “عبد العزيز بوتفليقة” ألفا وخمسمائة مليار دولار، ولم يقم حكام الجزائر في هذه الفترة ببناء مستشفى واحد، كما أنهم لم يشيدوا في تلك الفترة ولو مصنعا واحدا، ما يعني أن هذه المليارات قد تبخرت، حيث قام حكام الجزائر بتهريبها إلى الخارج، وتم إيداع أغلبيتها في أبنائك خارجية، كما أن هؤلاء الحكام قد اقتنوا عقارات وفنادق كثيرة في مختلف العواصم العالمية. أضف إلى ذلك أنهم أسسوا مؤسسات تجارية عديدة في العديد من البلدان الغربية…
علاوة على ذلك، فقد أعلنت مؤخرا شركة استغلال مناجم الذهب عن قرب شروعها في استغلال مناجم الذهب بـ “أمسينيسة” الواقعة في جنوب “تمنراست” بـ 450 كلم، حيث توجد كميات هائلة من الذهب التي لن يستفيد الشعب الجزائري من عائداتها، إذ سيقوم حكام الجزائر بنهبها وتهريبها، لأنهم لم يكتفوا بالتهام عائدات البترول والغاز ومعادن أخرى كلها، واليوم جاء دور التهامهم لعائدات الذهب. وهذا ما يفسر رفض الشعب الجزائري لنظام الجنرالات، الذي نهب كل شيء، ما نجم عنه تفقير الشعب الجزائري وتجويعه وتجهيله…
ويؤكد خبراء جزائريون أن الجنوب الجزائري غني بخيراته، لكنه يعاني من بؤس اجتماعي كبير، جعله يشكل أفقر منطقة في الجزائر، حيث لا ماء، ولا كهرباء، ولا طرق، ولا تعليم، ولا تطبيب، إذ يموت الناس جراء لسعات العقارب، لأنهم لا يجدون مستشفى يقدم لهم الخدمات الضرورية. أضف إلى ذلك أن هذا الجنوب يعاني من غياب الطرق والبنيات التحتية الضرورية… وهذا ما جعل بعض المتتبعين يستنتجون أنه ليس مستبعدا أن تطالب الولايات الجنوبية الجزائرية التمتع بحق تقرير مصيرها، حيث يمكن أن تحذو في ذلك حذو منطقة “القبايل”، وقد تتبعهما ولاية الشاوية وولايات أخرى، الأمر الذي يدل على أن سياسة الجنرالات تسير في اتجاه تفتيت الجزائر …
يخلف الفساد المالي والإداري آثارا سلبية على كل قطاعات الدولة، ما من شأنه أن يعيق التنمية ويرفع من التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للدولة نتيجة عدم الشفافية في تحديد هذه التكاليف. وهذا ما يؤدي الى انتشار الفقر والبطالة وتفشي مختلف الأمراض الاجتماعية والمالية كالمخدرات وغسيل الأموال …الخ.
نتيجة ذلك، فإن استفحال الفساد المالي يزعزع ثقة المواطنين بالدولة ويقضي على أية جاذبية للأعمال والاستثمار داخل الاقتصاد الوطني، ما يخلق مناخا يساعد على المتاجرة أكثر مما يساعد على الاستثمار، ذلك أن مناخ الفساد المالي والإداري عادة ما تصاحبه مظاهر سلبية كالبيروقراطية والمحسوبية والاقتصاد الموازي…
ويمكن حصر أهم آثار الفساد المالي والإداري في الظواهر التالية:
– إعاقة القدرات المؤسسية للحكومة عبر إضعاف قدرتها على تنفيذ إجراءاتها التنظيمية…، وتقويض الفساد المالي لأسس ودعائم دولة الحق والقانون، حيث ينجم عنه إضعاف السلطة القضائية وتشويهها…
– خفض الفساد المالي لحوافز الاستثمار والنمو الاقتصادي، وإفضائه بالبلاد إلى أن تعيش في حالة عدم استقرار سياسي يعكس مظاهر التخلف.
– إفضاء الفساد المالي إلى تخفيض معدل الإنفاق على الخدمات العامة كالتعليم والصحة، ما يعني تخفيض الإيرادات الحكومية – وإنتاج أنظمة تشريعية وقضائية ضعيفة. علاوة على ذلك، ينجم عن الفساد المالي عدم وجود حكامة عقلانية اقتصادية، تنهض على رؤية إستراتيجية واضحة وهادفة، تتجلى من خلال إنفاق أو تخصيص أغلفة مالية ضخمة، لمشاريع غير مدروسة أو ليست ذات جدوى اقتصادية، من خلال الاستثمارات الضخمة التي يصعب تقدير كلفتها، مما يضيف المزيد من الأعباء المالية… كما أن أثر الفساد المالي لا يقتصر على انتهاج سياسات اقتصادية ومالية غير ملائمة، بل يمتد إلى تشجيع نمو كل من التجارة الموازية وتجارة الممنوعات…
وإذا كان جنرالات الجزائر يزعمون أن هناك جهات خارجية تقف وراء الحراك الشعبي السلمي الحضاري، فإنهم يتجاهلون أن سياساتهم هي السبب الأساس في انفجار هذا الحراك في وجههم، حيث يطالبهم بالرحيل، والعودة إلى ثكناتهم، والكف عن ممارسة السياسة. ومادامت الجزائر تعيش اليوم أزمة مكعبة بسبب نظام العسكر، فإنه يبدو لي أن الفساد المالي والإداري هيكلي في نظامهم السياسي، ما يستحيل معه إصلاح ما أفسدوه خلال عقود من ممارسة الفساد، حيث قاموا بتخريب كل شيء. وهذا ما جعلهم ينهزمون أمام الحراك الشعبي الذي دعا إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية الأخيرة، رغم القمع والمنع… لذلك، يتأكد أن الحراك الشعبي السلمي قد انتصر على جبروت الجنرالات، الأمر الذي يشجع الحراك على الاستمرار في مسيراته حتى يدحر “تبون” وأسياده الجنرالات، كما فعل مع “عبد العزيز بوتفليقة” وعصابته…
تبعا لذلك، فقد زرع هذا الحراك الأمل في نفوس الجزائريين، حيث وحد الشعب الجزائري الذي يروم الحكام تفتيت وحدته الوطنية تأكد لهم أن الحراك قادر على بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة. وتعبر المسيرات التي تم تنظيمها ضد نتائج الانتخابات أن الشعب الجزائري مستمر في حراكه، وأن المؤسسات الشكلية لدولة الجنرالات فاقدة لأية شرعية سياسية، وأن الجنرالات عاجزون عن الإصلاح، ما سيحفز الحراك على تعميق رؤيته ومشاريعه، والتفكير في تطوير أدوات للعمل السياسي تمكنه من ترجمة رؤاه إلى واقع، ما يعني أن التغيير قد صار قريب المنال.