الصٌَحافة _ وكالات
بات يُخشى في الجزائر أن يشتعل من جديد صراع الهوية، على خلفية الاعتقالات التي طالت حاملي الراية الأمازيغية بعد أن أصدر قائد الجيش أوامر بمنعها في مسيرات الجمعة، الأمر الذي أدى إلى حالة احتقان كبيرة.
وأعلنت السلطات الجزائرية اليوم، عن إيداع 17 شخصا الحبس المؤقت لرفعهم راية غير الراية الوطنية يوم الجمعة الماضي، بعد أن تم توجيه تهمة “إهانة هيئة نظامية” لهم.
ونفذت قوات الشرطة دون تأخر ما ورد في خطاب الفريق أحمد قايد صالح قبل 4 أيام، عندما قال بأن “للجزائر علما واحدا استشهد من أجله ملايين الشهداء، وراية واحدة هي الوحيدة التي تمثل رمز سيادة الجزائر واستقلالها ووحدتها الترابية والشعبية”، معطيا أوامر بتطبيق القانون في حال عدم امتثال مرتادي المسيرات.
ويقول عبد الغني بادي، وهو محامي عدد من المعتقلين، إنه لا يوجد في قانون العقوبات الجزائري، ما يمنع رفع الراية الأمازيغية وإنما هناك تجريم لمن يهين العلم الوطني، مشيرا إلى أن اعتقال المتظاهرين بسببها يعد عملا تعسفيا.
وأوضح بادي في تصريح صحفي، أن تكييف تهمة إهانة هيئة نظامية في حق هؤلاء، من الأرجح أنه لا يتعلق بالأعلام بقدر ما يتعلق ببعض اللافتات المرفوعة والتي اعتبرتها العدالة إهانة لمؤسسة الجيش.
وأبرز المحامي أن ثمة إشكالا يتعلق في عدم امتلاك رئيس الأركان صلاحية إصدار أوامر لقوات الشرطة التابعة نظاميا إلى وزارة الداخلية، وهو ما يطرح مسألة قانونية تطبيق جهاز الشرطة لأوامره.
استغلال سياسي
وظهر خلاف على ما كان يقصده قايد صالح في البداية، إن كانت الراية الأمازيغية التي يقول حاملوها إنها تعبر عن هوية ثقافية ولا تنافس العلم الوطني، أم إنها راية “حركة استقلال القبائل” التي ترمز إلى الانفصاليين بمنطقة القبائل التي تعد معقل الأمازيغ في الجزائر.
اقرأ أيضا: “العدالة والتنمية”: لا حل بالجزائر إلا بالحوار مع الجيش
لكن مع اقتحام الشرطة للمسيرات يوم الجمعة ومصادرتها للرايات الأمازيغية، اتضح أن المسألة تتعدى الأقلية الانفصالية، وهو ما بعث على مخاوف من أن تتطور الأمور إلى إحياء صراع الهوية الذي خمد في الجزائر منذ سنوات.
وما زاد في إشعال هذه المخاوف إطلاق بعض السياسيين، تصريحات استفزازية وظفت خطاب الفريق أحمد قايد صالح في الدعوة إلى مقاطعة كل ما يرمز إلى الثقافة والهوية الأمازيغية.
وورد في مقطع فيديو مثير للجدل للبرلمانية نعيمة صالحي، دعوتها لمقاطعة حاملي الراية الأمازيغية وعدم الزواج منهم أو المتاجرة معهم، واصفة إياهم بأعداء الوطن.
الهوية والمجتمع
وبدأت تظهر في الفترة الأخيرة، أطروحات متطرفة ضد منطقة القبائل ونخبها الفكرة والثقافية، تماما مثلما ظهر في السابق متطرفون من هذه المنطقة يطالبون بإلغاء كل ما هو عربي من البلاد.
ويشير الباحث في علم الاجتماع السياسي ناصر جابي، إلى أن بعض النخب الثقافية الفكرية هي اقرب لأطروحات أقصى اليمين كما ظهرت في المدة الأخيرة، والتي تركز على الشروخ العرقية بل وتفتعلها عندما لا تكون حاضرة.
وشبّه جابي في تصريح لـ”عربي21″، هذه النخب المحافظة واليمينية بما يقوم به أقصى اليمين الأوروبي الذي يحاول أن يفتعل ويلعب على الشروخ الموجودة بدرجات متفاوتة في كل المجتمعات مهما كان مستوى تجانسها، من أجل تحقيق مكاسب انتخابية أو استمالة جزء من الرأي العام نحوه.
وانتقد جابي بشدة، خطاب رئيس الأركان وإقحامه لمؤسسة الجيش في مسائل الهوية، مشيرا إلى أن هذا الأسلوب هو “استمرار لسياسة قديمة تحاول أن تسيرنا بالاعتماد على نقاط ضعفنا وليس نقاط قوتنا كمجتمع وشعب”.
وفي اعتقاد مؤلف كتاب “الحركات الأمازيغية في شمال إفريقيا”، فإن المجتمع الجزائري سينجح في تجاوز القضية الهوياتية، اعتمادا على قاعدة صلبة يمكن القول بأنها “سوسيو ديمغرافية” عن طريق المصاهرات والتواصل ذي الطابع الاقتصادي والاجتماعي.
وأضاف أن الصراع الهوياتي مرتبط أكثر مع الأجيال الكبيرة في السن في حين أن أغلبية المجتمع الجزائري الشاب يحاول أن يتجاوز ذلك، وهو ما تم التعبير عنه بنجاح في مسيرات الجمعة الماضي التي أكدت بقوة على تلاحم المكون العربي والأمازيغي في البلاد.
ورفع المتظاهرون في المسيرات الأخيرة، شعارات ترد بقوة على قائد الجيش، وسُمعت هتافات بالدارجة الجزائرية تقول “العربي والقبائلي خاوة خاوة”.
أولوية الحل السياسي
ولا يوجد حماس كبير للدخول في متاهات صراع الهوية، حتى من جانب التيار الإسلامي الذي كان في السابق خصما عنيدا للتيار الأمازيغي الثقافي خاصة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
ويقول ناصر حمدادوش، القيادي في حركة مجتمع السلم: “إننا نميّز بين العلَم الثقافي، وهو يعبّر عن جزءٍ من الهوية المشتركة لسكان المغرب العربي وشمال أفريقيا، وليس خاصًّا بمنطقة بعينها، والذي لا أعتقد أنه يشكّل تهديدًا للوَحدة الوطنية، فهناك راياتٌ ثقافيةٌ متنوّعة لمكوّنات الشعب الجزائري، وبين العلَم الانفصالي السياسي، المرفوض شعبيًّا ورسميًّا، والتي تهدّد تماسك الوَحدة السياسية والترابية للبلاد”.
ويرى حمدادوش في تصريح صحفي، بالمقابل أن “المعركة الحقيقية حاليًّا هي معركةٌ سياسية، ومطالب الشعب الجزائري هي مطالبٌ سياسية، وأصل أزمتنا المزمنة هي أزمةٌ سياسية، ولذلك يجب أن تبقى وَحدة الحراك الشعبي متجهة إليها، ولسنا في أزمة ثقافية هوياتية، حتى نصرّ على رفع مثل هذه الرايات والتمسّك بها والتعصّب لها أو ضدّها، وكأنها القضية الرئيسة لهذه الثورة السّلمية”.