الصحافة _ كندا
يثير المشهد العام للمنصات الشرفية في النسخة الجارية من كأس إفريقيا للأمم أكثر من علامة استفهام، لا بسبب الأسماء التي تحضر فيها، بل بسبب تلك التي غُيّبت عنها. فالملاحَظ أن المدرجات الرسمية امتلأت بوجوه كروية إفريقية ودولية، جرى استدعاؤها وتكريمها في إطار الاحتفاء بتاريخ اللعبة، بينما غابت، بشكل لافت ومؤلم، أسماء مغربية صنعت مجد المنتخب الوطني وراكمت له رأسمالا رمزيا لا يُقدَّر بثمن.
لا خلاف حول أهمية الانفتاح على أساطير الكرة الإفريقية والعالمية، ولا حول القيمة الدبلوماسية والرياضية لهذا الاختيار، خاصة في بطولة تحتضنها المملكة وتراهن على تقديم صورة بلد منفتح، واثق من مكانته، ومتصالح مع محيطه القاري والدولي. غير أن هذا البعد، مهما بلغت أهميته، لا يبرر تغييب الذاكرة الكروية الوطنية ولا يسمح بتجاوز رموز حملت القميص الوطني في زمن الشدائد ورفعت راية المغرب في محطات خالدة.
إن أسماء بحجم بابا، بودربالة، الحداوي، خيري، الزاكي، التيمومي، بنعبيشة، بصير، وغيرها كثير، لا تُختزل في كونها لاعبين سابقين، بل تمثل تاريخا حيا، وذاكرة جماعية، وجزءا من الهوية الرياضية للمغاربة. هؤلاء لم يكونوا عابرين في سجل الكرة الوطنية، بل شكلوا وجدان أجيال كاملة، وأسهموا في بناء العلاقة العاطفية العميقة بين الجمهور والمنتخب.
غياب هذه القامات عن المنصات الشرفية يطرح أسئلة حقيقية حول منطق التدبير الرمزي للبطولة، ومعايير الانتقاء، وحدود التوازن بين تكريم الآخر والوفاء للذات. فكيف يمكن الاحتفاء بتاريخ كرة القدم دون استحضار من صنعوا أساسها الوطني؟ وكيف يُبنى مشهد كروي متكامل فيما تُقصى الذاكرة التي تمنحه العمق والمعنى؟
الأثر لا يتوقف عند حدود البروتوكول، بل يتجاوز ذلك إلى سلوك الجمهور نفسه. فالجمهور لا يشجع فقط النتائج، بل يتغذى على الرموز والقدوات. وحين يُفرغ المشهد الرسمي من رموزه الوطنية، يحدث خلل في الارتباط الوجداني، وقد يفسر ذلك جزئيا بعض المظاهر غير المألوفة، من تشجيع منتخبات منافسة داخل المدرجات، في سلوك لا يمكن فصله عن غياب الإشارات الرمزية التي تعزز الانتماء.
وفي المقابل، يلفت الانتباه حضور وجوه لا تمت لكرة القدم الوطنية بصلة، من مشاهير العالم الرقمي، في فضاءات رسمية يفترض أن تحمل قيمة تاريخية ورياضية. وهو ما يكرس خلطا مقلقا بين الشهرة السريعة والرمزية الوطنية، ويطرح سؤال الأولويات في لحظة كان يفترض أن تُستثمر لإعادة الاعتبار للذاكرة الكروية المغربية.
إن تكريم الأساطير الوطنية ليس فعلا احتفاليا عاطفيا، بل ممارسة مؤسساتية تعكس نضج الرؤية ووعي الدولة الرياضية بأهمية الذاكرة والرمز. فالأمم التي لا تضع روادها في الواجهة، تترك فراغا لا تملؤه الأضواء المؤقتة ولا الوجوه العابرة.














