بقلم: حكيم وردي*
كشفت تغطية بعض المواقع الالكترونية لسوء التفاهم الذي وقع بين مواطن/قاض وشرطي مرور بمراكش ، ليس فقط عن حاجة ملحة لتدخل المجلس الوطني للصحافة قصد فرض احترام ميثاق أخلاقيات المهنة، ولكن وأساسا لإيقاف نزيف الانحدار الأخلاقي والمهني المزري لبعض الكتبة الذين يسيئون بوعي أو بجهل لمهنة هي في دول القانون سلطة رابعة، ولكنها تأبى للأسف في دول التخلف التاريخي إلا أن تكون راكعة وخانعة أمام صاحب مال أو داعية نفوذ.
فبصرف النظر عما وقع بين القاضي والشرطي والذي لا يتصور أن يشكل فتيلا لصراع مجاني بين القضاة ورجال الأمن، فإن تسميم الأجواء وتغذية الأحقاد انطلق أساسا من الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه من قام بإملاء رواية مخدومة لخبر زائف محكوم برغبة في تأليب الرأي العام على قاض يشهد له الجميع بالنزاهة والكفاءة والتجرد والحياد.
وداخل أسرة القضاء التي لا تصدر الأحكام بالظن والتخمين ولكن بالجزم واليقين سرعان ما تلاشت الغمة وتبددت الصدمة ليحل محلها شعور عارم بالارتياح لمعرفة الجميع بشخص القاضي المعني وأخلاقه الرفيعة التي تبعده عن مظنة أخبار السوء التي تناقلتها بعض مواقع الإفك.
فصاحبنا منذ أيام الدراسة بجامعة الحسن الثاني كلية الحقوق عين الشق بالدارالبيضاء اختار عن قناعة وإيمان بدور القانون الإداري في بناء صرح دولة الحق، أن يدرس القانون العام وأن يتخصص في القضاء الإداري، وكان له الشرف بمعية زملائه لأن يكون أول فوج متخصص لقضاة الشرعية، أولئك الذين يلجأ إليهم المواطن للاشتكاء من شطط السلطة، أو انحرافها ولإلغاء أو تقويم التجاوز عن الشرعية الذي قد يستبد بقراراتها.
وطيلة مساره المشرق في إدارية الدارالبيضاء ظل المستشار الشاب ابن الطبقة المتوسطة الطموح، البار بوالديه، المحب للعلم، المتيم بعشق فريق الوداد، نموذجا للقاضي المستقل، الكفء، الذي ينصف المواطنين في مواجهة الإدارة، بأحكام رصينة، وقواعد متينة، تؤصل لمبادئ دولة القانون التي لا يمكنها أن تستقيم في غياب قاض إداري مشبع بقيم المواطنة والمشروعية، والشجاعة الأدبية والمراس القانوني الذي صقله صاحبنا ليس فقط بالعمل بمعية ألمع قضاة المادة الإدارية في المغرب، ولكن من خلال حرصه على الحضور لدورات تكوينية في العديد من الأيام الدراسة والندوات العلمية في المغرب كما في الخارج، محاضرا ومناقشا وكاتبا تشهد عليه إنجازاته العلمية المنشورة (الطعون الانتخابية أمام القضاء الإداري: رسالة الدراسات العليا 2003/2004 والرقابة القضائية على عيب السبب في القرار الإداري من خلال الاجتهاد القضائي المغربي، رسالة التخرج من المعهد العالي للقضاء 2003 الفوج 30، والعديد من الدراسات والأبحاث المنشورة في مجلات محكمة) ليتوج نهمه المعرفي بالحصول سنة 2015 على درجة الدكتوراه في القانون الإداري حول منازعات العقود الإدارية بالمغرب بميزة مشرف جدا مع توصية بالنشر، قبل أن يحصل على الإذن بالتدريس في الكلية كأستاذ جامعي محط إعجاب وإجماع من الطلبة والأساتذة والطاقم الإداري. ولتتم ترقيته إلى درجة مستشار بمحكمة الاستئناف الإدارية الوحيدة بالرباط.
طيب: هل يتصور في ظل هكذا شخص، أن يسكر حتى الثمالة، ويسوق سيارته بكل رعونة بمعية زوجته وطفله، ويعربد في شوارع مراكش المكتظة أوج الصيف، بل ويصيبه الزهايمر فينسى أنه مستشار، وزوج، وأب، وأستاذ جامعي، وينسى آلاف الأحكام التي أصدرها في دعاوى الإلغاء للشطط في استعمال السلطة، وعيب السبب وخرق القانون، ليهوى بكل ما أوتي من جهل على خد رجل أمن مستضعف في قلب الشارع العام بصفعتين مدويتين على الخدين؟…
أكيد أن من يعرف أخلاق المستشار، وتواضعه، وحسه الإنساني لا يمكنه أن يصدق ما تناقلته بخبث بعض المنابر فلقد كان مثيرا للشفقة أن يتم العزف على عنوان واحد بمضمون واحد يبدو أنه خرج من نفس المحبرة ووزع بشكل استباقي على مواقع لا تعرف معنى المعالجة المستقلة والنقدية والمتوازنة لخبر دبر بليل قبل أن يفضحه النهار.
وبالإجمال المطلوب الآن من الجمعيات المهنية أن تتوجه إلى المجلس الوطني للصحافة لإحاطته علما بالخرق السافر لميثاق أخلاقيات المهنة من طرف بعض الكتبة المندسين في منابر تسيء بشكل فج، ليس للقضاء ولكن للصحافة التي منها براء.
أما قضية زميلنا المستشار فيقينا أن القانون سيأخذ مجراه لينصفه بكل تجرد وموضوعية بدون تهويل إعلامي أو ضغط فئوي.
*عضو نادي قضاة المغرب بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء