بقلم: صبري الحو*
الظاهر أن عمالة الرشيدية كجهة وصية لم تستوعب أركان و أولويات اهتمام خطط التنمية والاستثمار التي يعتمدها المغرب لصالح دمقرطة التنمية .
صحيح أن المغرب يستهدف المشاريع الكبرى في الصناعة والفلاحة والتجارة ، لأنها تحقق عودة سريعة في الرأسمال والاستثمار ، إلا أن ذلك مشروط ومرهون بأن تحقق فائضا في القيمة و أن تمتص البطالة لصالح المستضعفين والفقراء و ليس العكس .
فالمشاريع الكبرى و لئن تستهدف الربح ، فهو ليس غاية وحيدة في حد ذاته بما يجعل الثروة في خدمة أفراد على حساب تفقير ثم تهجير الأغلبية ، بل يجب أن يكون صافيا وغير ناتج ولا متسبب عن تدهور قطاع آخر و الإساءة الجماعات .
و هكذا يمنع الترخيص والسماح بتحقيق الربح على حساب الاقتصاد المعيشي التضامني ، لأنه يحضى بأولوية قصوى لما له من علاقة بالاستقرار في كل ابعاده المجالي والأمني ، و من تم فأي مساس بالماء العمومي و خوصصته لفائدة مستثمر واحد يعتبر تهديدا مباشرا حقيقيا للنظام العام .
إذ أنه لا يمكن أخلاقيا بناء وتنمية ثروة مستثمر فرد على حساب مصالح فئات عريضة من المواطنين، ولا سيما الفئات الهشة و جموع المستضعفين . فالنظام الاقتصادي المغربي هو ليبرالي اجتماعي بالدرجة الأولى ، على أسس الملكية البرلمانية الديمقراطية الاجتماعية ، وليس ليبرالي اقتصادي متوحش بشكل يستعبد الأغلبية لخدمة الأقلية ، تحت قاعدة “دعه يعمل دعه يسير” المتوحشة .
ولهذا نلاحظ أن سياسة جلالة الملك لها واجهتين أساسيتين ؛ مشاريع كبرى ، و مشاريع صغرى في شكل مبادرات تستهدف المواطن العادي . وخير مثال على ذلك هو المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تستهدف في عمقها رخاء وسعادة واستقلال الانسان في تفاعله مع مجاله الذي يعيش فيه ، وخاصة في العالم القروي حيث جحافل المهمشين و أحزمة الفقر و الهشاشة .
و لهذا فان الاستثمارات التي تسمح بها عمالة الرشيدية بعالية تيفوناسين ، وبالضبط والخصوص في منابع تامدا نمسعود و بوخازم بكلميمة يتناقض كليا و حكمة السياسة الملكية السديدة ويتعارض معها بما يناقض روح العطف الملكي في إقامة مشاريع في إطار الإستثمار المواطن ، بل إنه تراجع واضح عن هذه السياسة ومساس بها و الإساءة إليها حتى أن ما يقع بكلميمة يعمق الاحتقان الذي نحن جميعا في غنى عنه .
ودليلنا الثاني هو سياسة جلالة الملك في افريقيا التي تطال مشاريع كبرى وعملاقة بموازاة مع مشاريع تستهدف المواطن الأفريقي الفقير في مجالات التكوين والتأهيل كما في الدعم والمساعدة المباشرة . فكيف لا يفهم ولا يتلقف صناع القرار الإداري من داخل سلطة الوصاية عمق سياسات العاهل الكريم !!
و ختاما نخلص أن عمالة الرشيدية فهمت الاستثمار وفهمت سياسة جلالة الملك بالمعكوس و بما يناقض نبلها وانسانيتها، أو ما يمكن أن نطلق عليه أنها تمارس سياسة “حرث الابل” و سياسة الأرض المحروقة بواحة كلميمة .
و نشطاء ومدافعي حقوق الانسان الذي يرافعون من أجل عدم المساس بأسس استقرار سكان الواحات المبني على الفلاحة المعاشية و نقط الماء لا يعارضون الاستثمار عكس محاولات اظهار ذلك في إطار الهروب إلى الأمام و تبخيس نضالات نخبة كلميمة العالية الكعب .
فالحقوقيون يطالبون بالاستثمار المعقلن ويطالبون به في إطار ضمان الحق في التنمية المرتبط بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ، وفي اطار العدالة المجالية دون المساس بالأمن المائي .
و ما تعبيرهم عن رفضهم لمشاريع تيفوناسبن إنما مرده ما له من أضرار ومخاطر محدقة وداهمة بالسكان والمجال و لمكانك الواحة في الخيال والوجدان الشعبي لسكان كلميمة الأبية ، وليست مجرد احتمالية للجدال بخصوصها .
فالترخيص بثقب مائية وآبار من طرف الحوض المائي لزيز كير غريس و كراء أراضي شاسعة من أجل انجاز مشاريع فلاحية كبرى من طرف عمالة الرشيدية ستؤدي لا محالة “عمقا ” وحتما إلى جفاف عيون جارية “ظاهريا”( نسبة الى الخبرة الظاهرية) و هو الضرر بعينه الذي سيترتب عنه مخاطر حقيقية على مستوى النظام الواحي .
ولا تسمح بمثل هذه المشاريع كل القوانين المدنية والمائية في كل بلدان الدنيا وكل القوانين طبيعية وإلهية وحتى وضعية . بالأحرى بالمغرب الذي يجتهد من أجل حث الساكنة وتشجيعها الاستقرار في موطنها .
و نؤكد نهاية أن ما يقع فواحة كلميمة قانونيا استفزاز للإستقرار الإيجابي الذي يميز تلك الواحة المعطاء عبر قرون و قرون على أساس أنظمة عرفية عميقة.
و عليه ندعو السلطات العمومية الى الإحتكام والرجوع إلى صوت الحكمة والعقل ، فالعيون الجارية تحضى بقدسية ، واستهداف منابع تيفوناسين، راجع الى عدم فهم كيف ولماذا اطلق عليه ذلك الاسم ، الذي يترجم الى الأبقار، تبعا لقدسية البقرة وكرمها .
*محامي بمكناس
خبير في القانون الدولي، والقانون الدولي لحقوق الانسان، وناشط حقوقي.