الصحافة _ كندا
في رسالة قوية حملت دعوة إلى إعادة النظر في تدبير منازعات الدولة، شدد محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، على أن معالجة هذه القضايا لم تعد شأناً تقنياً أو إدارياً صرفاً، بل أضحت رهاناً دستورياً ومطلباً استثمارياً وضرورة مالية ملحة.
الكلمة التي ألقاها نيابة عنه الأمين العام للمجلس، منير المنتصر بالله، خلال افتتاح المناظرة الوطنية الأولى حول “تدبير منازعات الدولة والوقاية منها”، وضعت الأصبع على مكامن الخلل، بدءاً من ضعف التخصص في المنازعات الإدارية، إلى غياب الاستباق، وتعدد التأويلات القانونية، وصولاً إلى هشاشة آليات التنسيق بين الإدارات والسلطة القضائية.
عبد النباوي أكد أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية باشر تفعيل رؤية استراتيجية متكاملة لتجويد العمل القضائي في هذا المجال الحساس، تنطلق من دعم التكوين المتخصص للقضاة في المادة الإدارية، ونشر الاجتهادات القضائية الموحدة، لإرساء الأمن القانوني وتوجيه الفاعلين العموميين نحو قرارات إدارية منضبطة ومشروعة.
وكشف الرئيس المنتدب أن الدولة طرف سنوياً في نحو 60 ألف قضية قضائية، تشكل منازعات المسؤولية والعقود الإدارية والاستثمار عمودها الفقري، محذراً من أن ثلثي هذه القضايا لا تُحال على الوكالة القضائية للمملكة إلا في مراحل متأخرة، ما ينعكس سلباً على كلفة النزاعات التي بلغت في سنة 2023 وحدها حوالي 3.5 مليار درهم.
وأشار عبد النباوي إلى أن 70% من المنازعات العقارية والإدارية ناتجة عن عدم تطابق القرارات الإدارية مع النصوص القانونية، ما يستدعي إصلاحاً هيكلياً في منهجية اتخاذ القرار داخل الإدارة، ودعماً للثقافة القانونية الاستباقية.
وفي هذا الصدد، نوه بإطلاق المنصة الرقمية “مواكبة” ومركز النداء القانوني، كأدوات عملية لتوفير الرأي القانوني المسبق، في تحول نوعي من منطق الدفاع إلى منطق الوقاية القانونية.
وشدد عبد النباوي على ضرورة الانتقال من “رد الفعل” إلى ثقافة “التوقع”، داعياً إلى جعل الوقاية القانونية ركيزة لتفادي النزاعات قبل ولادتها، وتحصين المال العام، وتعزيز جاذبية المملكة في عيون المستثمرين.
واختتم كلمته بالدعوة إلى الخروج من المناظرة بتوصيات عملية وملزمة، تمهد لتحول عميق في العلاقة بين الإدارة والمواطن، وبين القرار الإداري والمشروعية الدستورية.