الصحافة _ كندا
مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، يعود إلى الواجهة النقاش حول معضلة العزوف الانتخابي، باعتباره أحد أبرز مؤشرات أزمة الثقة التي تطبع المشهد السياسي المغربي. هذا العزوف لم يعد مجرد سلوك فردي، بل تحول إلى ظاهرة مركبة تعكس خللاً بنيوياً في العلاقة بين المواطن والعملية الانتخابية، وبين المجتمع وأدوات الوساطة التقليدية.
يُنظر إلى الامتناع عن التصويت، في أحد أبعاده، كاحتجاج صامت ضد ما يعتبره المواطن عرضاً سياسياً غير مقنع، أو استمراراً لخيبات متراكمة جعلت العملية الانتخابية في نظره فاقدة للجدوى. وبذلك، فإن المقاطعين ليسوا كتلة متجانسة، بل تعبيرات متعددة عن مواقف متباينة: فئة ترى في العزوف موقفاً إيديولوجياً من النظام السياسي ككل، وأخرى تعبر عن لا مبالاة تجاه العروض الحزبية والبرامج الانتخابية التي لم تُترجم إلى سياسات ملموسة.
المفارقة أن السؤال الجوهري الذي يطرحه المصوتون أنفسهم يتكرر لدى المقاطعين: ما الذي سيتغير بعد التصويت؟ غياب الجواب العملي والمقنع جعل نسب المشاركة تنخفض في محطات انتخابية سابقة، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على شرعية القرارات السياسية ووزنها داخل المجتمع. فضعف المشاركة لا يعني فقط عزوفاً رقمياً، بل مسّاً بمفهوم الشرعية الديمقراطية التي تستمد قوتها من حجم الانخراط الشعبي.
في المقابل، يرى متابعون أن هذه الظاهرة ليست حتمية، بل ظرفية مرتبطة بضعف الحملات الانتخابية وغياب تنافسية البرامج. فحين تتوفر شروط سياسية أكثر جاذبية ومصداقية، يمكن لنسب المشاركة أن تعرف انتعاشاً ملحوظاً، بما يعيد الثقة بين المواطن وصندوق الاقتراع. غير أن ذلك يظل رهيناً بمدى قدرة الأحزاب على تجديد نخبها، وإنهاء منطق الريع السياسي، وربط المسؤولية بالمحاسبة، بما يعيد الاعتبار للعمل الحزبي كوسيط أساسي.
العزوف، إذن، ليس فراغاً، بل رسالة سياسية ينبغي قراءتها بعمق. تجاهل هذه الكتلة الصامتة، التي قد يتجاوز وزنها أحياناً عدد المصوتين في بعض الدوائر، قد يفتح الباب أمام أشكال احتجاجية غير مؤطرة. معالجة الظاهرة تستوجب مقاربة شمولية تتجاوز حدود الحملات الانتخابية، عبر فتح قنوات تواصل جديدة لا تقتصر على الأحزاب، بل تشمل المجتمع المدني، النقابات، والفضاءات الرقمية التي باتت اليوم ساحة رئيسية للتعبير السياسي.
إعادة الثقة في العملية الانتخابية تتطلب خطوات عملية تبدأ بالشفافية، وضمان النزاهة في مختلف مراحل الاقتراع، وربط التصويت بالنتائج الملموسة في السياسات العمومية. فالمواطن لن يجد مبرراً للمشاركة إلا إذا لمس أن صوته يترجم فعلياً إلى قرارات تُحسّن حياته اليومية. وإلى جانب ذلك، يظل ترسيخ ثقافة المشاركة السياسية والتربية المدنية منذ المدرسة والإعلام والمجتمع شرطاً لبناء وعي جماعي يجعل من التصويت ممارسة طبيعية لا استثناء ظرفياً.