بقلم: محمد الشمسي
رسم الأمريكي الأشقر دافيد كوشنر خريطة فلسطين على مزاجه، وقدمها في “صفقته” دويلة متناثرة الأشلاء، عديمة الجدوى ومشوهة الملامح، وفوق كل هذا هي مقبورة في كماشة الاحتلال، وجاد الصغير ذو الوجه الطفولي على الفلسطينيين بأنفاق يتسللون منها مثل جرذان قنوات المياه العادمة، ولبث الروح في لعبته القذرة استدعى صهر ترامب حكاما عربا -أو هكذا تقول أسماؤهم وجنسياتهم-، ليكونوا على الخديعة شهودا، في مشهد يعيد إنتاج “عربدة الرجل الأبيض” وهو يبيد شعب وحضارة الهنود الحمر في زمن “الكوبوي الأمريكي” وفق قوانين ومعاهدات كلها في خدمة أهل البشرة الشقراء والشعر الاصفر والعيون الخضراء، ومن يحمل صليبا منهم.. وما دون ذلك من السلالات والأديان هي مجرد تراث للتاريخ، تصلح للأفلام الوثائقية…
وسواء كتب لـ “صفقة القرن” الحياة أم أفل نجمها، فإن ذلك رهين فقط بظروف وحمها وحملها ومخاضها، ولن يكون للضجيج العربي قيمة ولا أثرا، فقد خرجت الحشود وسارت المسيرات منذ القرن الماضي، وأحرقت الرايات، وسدت الطرق والميادين، لكن فلسطين ظلت تنزف ولا تزال، والغاضبون فقط لوثوا بيئتهم بدخانهم وزعيقهم، كما تفعل الكلاب التواقة للنباح.
لن نقوى كعرب وكمسلمين على إنقاذ فلسطين، ولا حتى إسعاف أنفسنا، لأننا لا نملك العدة والعتاد على المواجهة، فنحن لسنا قوة اقتصادية لنفرض عقوبة أو نضرب حصارا، ولسنا قوة عسكرية لنحرك جيشا، فحتى مفرقعات ألعاب أطفالنا نستوردها من الجنس الأشقر “الراقي”، ولسنا قوة صناعية، فحتى الملابس الداخلية لنسائنا نستوردها من الجنس الأشقر، بل حتى مكبر الصوت الذي نعلن به أذان صلواتنا نقتنيه منهم، وراياتنا وعملتنا الوطنية نصنعها عندهم، فكيف لنا أن نقاومهم؟
نحن نتوقع الأسوأ لنا ليس بـ “صفقة القرن” فقروننا طالت، وفاقت قرون البقر الوحشي، الذي يكبر ويسمن لأنياب السباع والضباع، نحن أمة محنطة عاجزة منبوذة حقيرة جاهلة كسولة، أين مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا التي تنتج المهارات والكفاءات التي بها يمكننا المواجهة؟ أين ثرواتنا التي يلحس الأجنبي دسمها ونحن نتودد له كقطط الموائد؟ أين تاريخنا الذي زيفه الدجالون الأفاكون منا؟ أين ديننا الذي سرقه منا سماسرة الأديان واستبدلوه لنا بالخرافة؟ فلا غضبة عباس ولا انفعال أردوغان، ولا اندفاع هنية ولا مقالات عطوان، ولا الجهاد ولا إيران، ولا جعجعة رفاق ويحمان، فقد غدر العربان وباعوا القضية في سوق الخان، وجعلوا كراسيهم هي الأثمان، وليتها “صفقة قرن” واحدة وتزول، بل إنها حزمة من “القرون”، حتى نستبدل الآذان والشعر والعيون بالقرون، وقد لا يروق الإنسان الأشقر ذلك، فيبحث في أجسادنا أين يولج ما تبقى له من “قرون”.