صعود المغرب في الساحل يفتح مرحلة ما بعد فرنسا ويعمق عزلة الجزائر

9 سبتمبر 2025
صعود المغرب في الساحل يفتح مرحلة ما بعد فرنسا ويعمق عزلة الجزائر

الصحافة _ كندا

تشهد القارة الإفريقية تحوّلاً نوعياً يعيد رسم خرائط النفوذ ويقلب موازين القوى التقليدية، لتفتح مرحلة جديدة عنوانها الأبرز بروز المغرب كفاعل اقتصادي وجيوسياسي وازن، يمضي بخطى واثقة نحو ترسيخ مكانته كقوة إقليمية بديلة.

فالاستقبال الملكي الذي حظي به وزراء خارجية دول الساحل الثلاث (مالي، بوركينا فاسو، النيجر) في أبريل 2025 لم يكن مجرد حدث بروتوكولي عابر، بل إشارة استراتيجية إلى ميلاد تحالفات جديدة في غرب إفريقيا. وقد اعتبرت صحيفة موند أفريك الفرنسية هذا اللقاء مؤشراً على معادلة ثلاثية آخذة في التشكل بين المغرب، فرنسا، ودول الساحل، حيث لم يعد النموذج الأوروبي التقليدي قادراً على تلبية تطلعات شعوب المنطقة، بينما تطرح الرباط نفسها بديلاً واقعياً يقدم حلولاً عملية في مجالات التجارة والبنية التحتية والدبلوماسية البراغماتية.

لقد رسّخ المغرب، خلال العقدين الماضيين، حضوره الإفريقي من خلال استثمارات واسعة في قطاعات البنوك (التجاري وفا بنك، بنك إفريقيا)، والاتصالات (اتصالات المغرب)، والنقل الجوي (الخطوط الملكية المغربية). وإلى جانب ذلك، وظّف التعليم والتكوين العسكري كأدوات لبناء نخب إفريقية جديدة مندمجة في مشروعه التنموي. وتأتي مبادرة “الممر الأطلسي”، التي تتيح لدول الساحل منفذاً بحرياً عبر الموانئ المغربية، كتتويج لهذا المسار وتعبير عن الطموح المغربي للتحول إلى محور تجاري وأمني يصل القارة بالأسواق العالمية.

في الجهة المقابلة، تبدو فرنسا في موقع دفاعي بعد انسحابها القسري من مالي والنيجر وبوركينا فاسو. فشلها لم يكن عسكرياً فحسب، بل مثّل انهياراً لنموذج “فرانس-إفريك” القائم على علاقات عمودية غير متكافئة. واليوم، تتراجع شرعية باريس أمام عرض مغربي أكثر مرونة وفعالية.

أما دول الساحل فقد أدركت أن زمن الارتهان لشريك واحد قد ولى، فاتجهت إلى بناء شراكات متعددة: موسكو لضمان الدعم الأمني، بكين لتمويل البنى التحتية، والرباط لفتح الأبواب نحو الأطلسي. إنها براغماتية جديدة تعكس وعياً متنامياً بضرورة تحويل الهشاشة السابقة إلى قوة تفاوضية.

غير أن لهذه التحولات بُعداً مغاربياً لا يمكن إغفاله. فالجزائر، التي لطالما رأت نفسها القوة الإقليمية الأبرز في الساحل، تجد نفوذها يتآكل أمام الحضور المغربي المتنامي، لتتأكد مرة أخرى عزلتها في فضاء إقليمي وإفريقي يشهد تحولات عميقة.

ويخلص تحليل موند أفريك إلى أن المعادلة الجديدة بين المغرب، فرنسا، ودول الساحل قد تكون بداية لمرحلة ما بعد الاستعمار في القارة. فإذا نجحت مبادرة “الممر الأطلسي”، فإنها قد تفتح آفاق تعاون إفريقي–إفريقي حقيقي، وتضع حداً لهيمنة القوى الخارجية، لتفسح المجال أمام نموذج تنموي أصيل تقوده قوى إقليمية صاعدة، في مقدمتها المغرب.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق