الصحافة _ كندا
في قلب مدينة الجديدة، حيث تختلط نسمات البحر بعبق التاريخ الوطني، وُلدت سنة 1951 امرأة ستصبح لاحقًا رمزًا من رموز الوفاء والالتزام الوطني: شريفة مسكاوي، أو كما يلقبها أبناء مدينتها “الغزالة الذهبية”. لم يكن هذا اللقب مجرد إشارة إلى براعتها الرياضية، بل كان عنوانًا لمسار نادر يجمع بين الرياضة، العمل الجمعوي، والوطنية الصادقة.
حين أطلق المغفور له الملك الحسن الثاني، رحمه الله، نداء المسيرة الخضراء في أكتوبر 1975، كانت شريفة ضمن أولى النساء اللواتي لبين نداء الوطن، متقدّمة صفوف المتطوعات من إقليم الجديدة لتأطير المشاركات في هذه الملحمة التاريخية. فبحكم خبرتها في التأطير الرياضي واحتكاكها بفتيات المدينة في الأنشطة الشبابية، وقع عليها الاختيار لتكون مؤطرة المتطوعات الدكاليات، في مهمة جسّدت الثقة الملكية في المرأة المغربية وقدرتها على القيادة.
تتذكر شريفة، في حديثها لوكالة المغرب العربي للأنباء، تلك اللحظة الخالدة حين سُمِع النداء الملكي، فتقول بعينين يملؤهما الفخر: “كان إحساسنا لا يوصف، لم نفكر في الخوف ولا في التعب، كنا نرى أنفسنا جزءًا من التاريخ، نسير خلف الملك الحسن الثاني بإيمان لا يتزعزع”.
تروي أيضاً كيف تحولت جماعة مولاي عبد الله أمغار إلى ورش وطني مصغّر للمسيرة، حيث أشرفت بنفسها على تدريبات مصغرة تحاكي الحدث، لتأهيل النساء على مهام التموين، وبناء الخيام، وتوزيع الأدوار التنظيمية. “كنا نعمل ليل نهار دون كلل، نحلم بيوم الانطلاق الكبير”، تقول وهي تبتسم.
انطلقت القافلة من الجديدة نحو مراكش، ثم أكادير فطرفاية، في رحلة تخللتها مشاهد لا تُنسى: الزغاريد، الأهازيج، والكرم المغربي الأصيل الذي رافقهم من محطة إلى أخرى. وهناك، في طرفاية، حيث اجتمعت الوفود من كل ربوع الوطن، تولّت شريفة مهمة إعداد الأنشطة اليومية للنساء، فكانت تُنظم حصصًا رياضية وتمارين صباحية، إلى جانب فقرات غنائية وحكواتية للحفاظ على المعنويات العالية، قائلة: “كنا نغني ونحكي ونصلي، كانت القلوب خفيفة لأننا نحمل حب الوطن بين أيدينا.”
وفي السادس من نونبر 1975، عندما انطلقت الحشود نحو الصحراء وهي ترفع الأعلام الوطنية والمصاحف، أدركت شريفة أن لحظة التاريخ قد حانت. “كانت فرحة لا توصف… المسيرة لم تكن مجرد حدث سياسي، كانت ثورة في الوعي والانتماء، رسالة للعالم أن المغرب يستعيد حقه بالسلم لا بالحرب.”
بعد مرور نصف قرن، ما زالت شريفة ترى في المسيرة الخضراء مدرسة للأجيال الجديدة، تعلمهم معنى المواطنة، والالتزام، والقدرة على البناء في زمن السلم كما في زمن النضال. تقول بابتسامة واثقة: “المسيرة لم تتوقف في الصحراء، بل ما زالت مستمرة في مشاريع التنمية التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس… إنها مسيرة مغرب المستقبل.”
لقد نالت شريفة مسكاوي وسامين ملكيين تكريماً لعطاءاتها، أحدهما من الملك الراحل الحسن الثاني، والآخر من جلالة الملك محمد السادس، لتبقى سيرتها شاهدة على أن المرأة المغربية كانت، وما تزال، في صدارة معارك الوطن، من ساحات النضال إلى دروب التنمية.














