حكومة تستورد الماشية للمضاربين.. وتترك المواطن فريسة لجنون الأسعار!

5 مارس 2025
حكومة تستورد الماشية للمضاربين.. وتترك المواطن فريسة لجنون الأسعار!

الصحافة _ كندا

لم يكن تقرير مكتب الصرف الأخير مجرد أرقام اقتصادية، بل شهادة رسمية على فشل الحكومة في إدارة واحدة من أكثر الأزمات المعيشية إلحاحًا. بينما تغرق البلاد في موجة غلاء غير مسبوقة، تصر الحكومة على الترويج لإنجازاتها الوهمية، متجاهلة الواقع المعيشي الذي ينهك المواطن المغربي يومًا بعد يوم.

أُنفقت خمسة مليارات ونصف مليار درهم على استيراد الحيوانات الحية، بزيادة صادمة بلغت 95.2%، تحت ذريعة خفض أسعار اللحوم وحماية القدرة الشرائية، لكن النتيجة كانت كارثية: الأسعار تواصل الارتفاع، المضاربون يزدادون جشعًا، والمواطن المغربي يتحمل وحده ثمن هذا الفشل الذريع.

وفي الوقت الذي تدّعي فيه الحكومة أنها فتحت باب الاستيراد لكسر الاحتكار، لم تفعل سوى فتح خزائن الدولة أمام فئة قليلة من المستوردين، الذين استغلوا الوضع لمضاعفة أرباحهم، بينما تركت الشعب يواجه أزمة معيشية خانقة بلا أي حماية حقيقية.

ومنذ أكثر من عام، والحكومة تقدم وعودًا جوفاء بتطويق أزمة اللحوم الحمراء، مدعية أن تعليق الرسوم الجمركية وتقديم الإعفاءات الضريبية سيؤدي تلقائيًا إلى خفض الأسعار. لكن ما حدث على أرض الواقع يكشف أن هذه السياسات لم تكن سوى غطاءً شرعيًا لممارسات احتكارية تضاعفت تحت حماية رسمية. الأسعار لم تهبط، رغم التدفق الهائل للواردات، بل على العكس، ارتفع هامش ربح كبار المستوردين إلى مستويات خيالية، وسط غياب أي رقابة فعلية من الحكومة، التي يبدو أنها فقدت السيطرة على الأسواق لصالح حفنة من المضاربين الذين يتحكمون في قوت المغاربة.

فكيف يمكن تفسير أن الحكومة تستورد الماشية وتعفي المستوردين من الرسوم، ثم تتركهم يفرضون أسعارًا تتجاوز القدرة الشرائية للمواطن؟ هل هذا استيراد لصالح الشعب أم لصالح شبكات المصالح التي باتت تتحكم في الاقتصاد الوطني؟

إن الأزمة ليست فقط في أسعار اللحوم، بل في الاختلال البنيوي الذي تعاني منه الحكومة في تدبيرها للشأن الاقتصادي. العجز التجاري يستمر في التفاقم، حيث ارتفع بنسبة 7.3%، ليصل إلى أكثر من 306 مليارات درهم، في وقت يفترض أن تكون هناك سياسات تقشفية وضبط صارم للإنفاق.

ومع ذلك، تستمر الحكومة في تمويل واردات ضخمة لا يجد المواطن أي أثر لها في حياته اليومية. فبينما ترتفع فاتورة الاستيراد، تتقلص قدرته الشرائية، ويُدفع نحو التقشف القسري، ليس بسبب سياسات عقلانية، ولكن بسبب فشل الحكومة في كبح جماح الفساد والاحتكار.

وزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات، أحمد البواري، حاول تبرير هذا الواقع بالحديث عن تراجع القطيع الوطني بنسبة 38% بسبب الجفاف، وكأن الجفاف مفاجأة لم يكن من الممكن التنبؤ بها أو الاستعداد لها. والحقيقة أن الحكومة لم تبذل أي جهد استراتيجي لحماية القطاع الفلاحي، ولم تتخذ إجراءات استباقية لضمان استقرار الأسواق، بل اكتفت بسياسات ترقيعية مكّنت كبار الفاعلين الاقتصاديين من استغلال الأزمة لمضاعفة أرباحهم.

أما حديث وزير الصناعة والتجارة عن “18 مضاربًا” يتحكمون في سوق اللحوم، فهو اعتراف متأخر بواقع يعلم الجميع تفاصيله، لكن السؤال الذي لم يُجب عليه الوزير هو: لماذا لم تتحرك الحكومة لضرب هذه الشبكات الاحتكارية؟ ولماذا لم تُفرض عقوبات صارمة على هؤلاء المتلاعبين بقوت المواطنين؟

وفي خضم هذا العبث، جاء القرار الملكي بدعوة المغاربة إلى عدم إقامة شعيرة عيد الأضحى لهذا العام، في خطوة تعكس بوضوح حجم التحديات الاقتصادية التي يواجهها البلد، خاصة في ظل الارتفاع المهول لأسعار الماشية وانخفاض أعداد القطيع الوطني.

ويحمل هذا القرار دلالة سياسية عميقة، مفادها أن الحلول الترقيعية لم تعد تجدي نفعًا، وأن الأولوية يجب أن تكون لحماية الأمن الغذائي والاستقرار المعيشي للمواطن، بدلًا من ترك السوق رهينة للمضاربين والاحتكاريين.

الحكومة اليوم أمام اختبار حقيقي: إما أن تثبت قدرتها على إعادة ضبط السوق وكبح المضاربات، أو أن تعترف بفشلها وتترك المجال لمن يستطيع إدارة المرحلة بأدوات أكثر جدية وكفاءة.

أما استمرارها في تقديم الوعود وإصدار التصريحات الجوفاء، فلن يكون سوى تكريسٍ لمزيد من الغضب الشعبي، الذي قد لا يبقى محصورًا في الامتعاض الصامت، بل قد يتحول إلى رفض سياسي واسع لنهج حكومي لم يعد يُنتج سوى الأزمات.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق