الصحافة _ كندا
مرة أخرى، تثبت حكومة عزيز أخنوش أنها لا تتقن سوى فن المماطلة وإطلاق الوعود العريضة التي سرعان ما تتبخر في الهواء. وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، تقدم نموذجًا صارخًا لهذا النهج، إذ أعلنت مرتين عن مواعيد لإطلاق مشروع إصلاح نظام التقاعد، لكنها فشلت في الوفاء بالتزاماتها، تاركة المغاربة أمام مسلسل من التبريرات والمراوغات التي لم تعد تنطلي على أحد. في آخر حلقات هذا العبث، صرحت الوزيرة يوم 30 دجنبر 2024 تحت قبة البرلمان بأن الحكومة ستقدم عرضًا أوليًا لإصلاح التقاعد في يناير 2025، مؤكدة أن الوقت قد حان لهذا الإصلاح. لكن كما كان متوقعًا، مر شهر يناير دون أن يظهر المشروع إلى الوجود، ليضاف إلى سلسلة طويلة من الإخلافات التي أصبحت سمة مميزة لحكومة أخنوش. اللافت أن هذه ليست المرة الأولى التي تخذل فيها فتاح العلوي البرلمان والرأي العام. في أكتوبر 2024، تعهدت بإطلاق الإصلاح قبل نهاية ذلك الشهر، وحين حوصرت من طرف المعارضة البرلمانية في جلسة 28 أكتوبر، ردت بعبارة ملتوية: “الشهر لم ينتهِ بعد”، في محاولة مكشوفة لكسب الوقت. لكن أكتوبر انتهى، ومعه انتهت مصداقية الوزيرة التي عادت لاحقًا لتعلن عن موعد جديد في يناير، وكأن ذاكرة المغاربة قصيرة إلى هذا الحد. البرلمانية سلوى الدمناتي عن الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية، كانت من بين الذين فضحوا تلاعب الوزيرة، إذ علّقت على تراجعها قائلة: “نتمنى الوفاء بوعدكم، السيدة الوزيرة، لأنكم التزمتم سابقًا بتقديم مشروع الإصلاح قبل متم السنة دون أن تفعلوا ذلك، وخذلتم ثقة المغاربة فيكم بوعودكم العريضة الفارغة المحتوى”. لكن الحقيقة أن الوزيرة لم تكن سوى انعكاس لسياسة حكومية قائمة على التضليل والمناورة. فمنذ تنصيبها، لم تقدم حكومة أخنوش سوى وعود زائفة، سواء في ملف التقاعد أو في ملفات حيوية أخرى، من تحسين القدرة الشرائية إلى محاربة الفساد وإصلاح الصحة والتعليم. والنتيجة؟ مزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي، في ظل خطاب حكومي منفصل عن الواقع. وحتى عندما تحدثت الوزيرة، الخميس الماضي، خلال اجتماع مجلس إدارة الصندوق المغربي للتقاعد، عن “التزام الحكومة بمعالجة ملف الإصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد”، بدا واضحًا أن الأمر لا يعدو كونه محاولة لامتصاص الغضب الشعبي والسياسي، خصوصًا أن الحكومة لم تجرؤ بعد على كشف تفاصيل هذا الإصلاح، الذي يُفترض أنه “جاهز”. أما حديثها عن “التوافق بين جميع الأطراف”، فهو مجرد غطاء لتبرير التأخير المتعمد، وترك الملف معلقًا حتى إشعار آخر. الأدهى من ذلك، أن الحكومة تُسوّق للزيادة الأخيرة في أجور موظفي القطاع العام باعتبارها “إنجازًا” ساهم في ضخ موارد إضافية لنظام المعاشات، وتمديد احتياطاته المالية إلى 2031. لكن هذا المنطق هو قمة العبث، إذ يتم تصوير زيادة الأجور على أنها حل سحري لعجز نظام التقاعد، في حين أن الحل الحقيقي يتطلب إصلاحًا جذريًا عوض سياسة الترقيع وتأجيل الكوارث. إن ما يحدث اليوم في ملف التقاعد ليس سوى صورة مصغرة لفشل حكومة أخنوش في إدارة الملفات الكبرى. وعود تتكرر، مواعيد يتم التلاعب بها، ووزراء يظهرون بمظهر العاجزين عن تنفيذ أبسط التزاماتهم.