بقلم: محمد بوبكري
لا يتوقف جنرالات الجزائر عن شتم المغرب وتلفيق مختلف التهم الكاذبة إليه؛ إذ يتهمونه اتهامات باطلة بأنه هو من يقف وراء كل المشاكل التي تعيشها الجزائر، ولا يتوانون عن نعته بالعدو الاستراتيجي التقليدي. كما أنهم قد يقومون بتحميل المغرب مسؤولية العجز الذي تعاني منه ميزانية الجزائر برسم السنة المقبلة، والسنوات التي ستليها. وبما أنهم لم يستطيعوا تقديم أي إثباتات مقنعة تؤكد أن المغرب يقف وراء ما تعرفه الجزائر من مشاكل، فإنه من غير المستبعد أن يحملوا المغرب مرة أخرى مشاكل الجفاف الذي تعاني منه البلاد، وإذا أمطرت بغزارة ونتج عن ذلك حدوث فيضانات في الجزائر، فإن المغرب هو سبب ذلك… وكل ذلك ينم عن تفكيرهم الخرافي المتجاوز.
لقد أصبحت فئة عريضة من الشعب الجزائري تعي حقيقة ما يروجه جنرالات الجزائر ضد المغرب من أكاذيب، تعبر عن حقدهم، وعن عداء تاريخي جعلوا منه شماعة يعلقون عليها كل مظاهر فشلهم.
ولما أدرك الجنرالات أن استعمال ورقة اعتداء المغرب على الجزائر قد صارت دون جدوى، فكروا في كذبة أخرى تروم زرع التفرقة بين الأمازيغ والعرب الجزائريين. وبذلك، يؤكد هؤلاء الحكام خيانتهم الوطنية الرامية إلى ضرب الوحدة الوطنية للبلاد، التي تمتد جذورها إلى السياسة الاستعمارية، ما يؤكد أن كلا من “خالد نزار” الجزار و”توفيق محمد مدين” و”سعيد شنقريحة” هم مجرد امتداد للقوى الاستعمارية؛ فهم جميعهم أبناء أنصار الاستعمار الفرنسي. ولقد قام شعب “القبايل” بمواجهة هذه السياسة الاستعمارية لهؤلاء الجنرالات الطغاة، حيث إنه لما منع حكام الجزائر الحراك الشعبي السلمي في سائر المدن الجزائرية، قام شعب “القبايل باحتضان هذا الحراك الوطني في مختلف. مدن منطقة “القبايل”، فتجسدت وحدة شعب “القبايل” وباقي مكونات الشعب الجزائري على أرض “القبايل”، فتحطم مسعى الجنرالات، الذين يرغبون في ضرب الوحدة النضالية للشعب الجزائري، فتحطمت أوهام الجنرالات الذين باتوا عاجزين عن إيجاد أي ورقة أخرى يستعملونها لضرب وحدة ونضال الحراك الشعبي، التي يظل في مقدمتها طلب رحيل الجنرالات…
وإذا كان جنرالات الجزائر يعتقدون أن الحراك قد انتهى فإنهم واهمون، لأن ذلك مجرد دعاية مغرضة وأضغاث أحلام؛ لأن الحراك الشعبي السلمي لم ينته بعد، ولن يتوقف؛ فهو فقط في حالة كمون، بل هو أشبه ما يكون بجمر تحت الرماد، قد يشتعل في أي وقت، وهذا يعني أن جنرالات الجزائر ليسوا في مأمن، وأن نيران الحراك ستعصف بهم لا محالة إن عاجلا أم آجلا.
إن الحراك لم يولد من عدم؛ بل كان استجابة لحاجة تاريخية سياسية واجتماعية، هدفها التخلص من المشاكل الناجمة عن سياسات الجنرالات وعنفهم ضد الشعب الجزائري التي دامت لسنوات طوال… فهو، إذن، تعبير عن قضية وطنية شعبية… وما دامت هذه القضية قائمة، فإن أسباب الحراك الشعبي ستظل مستمرة، ولن تنطفئ جذوة هذا الحراك نهائيا إلا بزوال الأسباب التي أدت إليه؛ فالمطالبة بالديموقراطية حق مشروع، ولن يختفي هذا المطلب ما دام استبداد الجنرالات قائما، ولن يتخلى الشعب الجزائري عن هذا المطلب إلا ببناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة قائمة على مبدإ المواطنة، الذي يعامل الجزائريين على قدم المساواة…
يعيش حكام الجزائر مشاكل داخلية كبرى، هي التي دفعت بالشعب إلى الانتفاضة ضدهم، وعوض أن يفهم الجنرالات أنهم هم أصل كل المشكلات التي تعانيها الجزائر، فإنهم يرفضون مراجعة سياسات القمع والإقصاء والتهميش التي يمارسونها، كما أنهم مستمرون في غيهم من خلال قمع الحريات وحرمان الشعب الجزائري من أي فضاء عمومي يسمح بالتعبير الحر والتعددية الفعلية، ما يؤكد أنهم سائرون في طريق تدمير أنفسهم وتفتيت الجزائر…
لا يعيش جنرالات الجزائر مشاكل داخلية فقط؛ بل إنهم يعيشون مشاكل خارجية كبيرة تحاصرهم من كل حدب وصوب؛ فقد ألحق بهم المغرب هزائم دبلوماسية كبيرة، حيث اعترفت دول كثيرة بشرعيته على صحرائه، كما أن الأمين العام للأمم المتحدة قد عين مبعوثه الشخصي إلى الصحراء المغربية، الذي كلفه بمهمة واحدة هي إجراء مشاورات بين المغرب والجزائر وموريتانيا و”البوليساريو” حول كيفية تطبيق “مبدأ الحكم الذاتي” في الصحراء المغربية، الذي اقترحه المغرب وصادقت عليه الأمم المتحدة وقوى عظمى كثيرة، ما يفيد أن “مبدأ تقرير المصير” قد أقبر، ولم يعد حلا سياسيا قابلا للتطبيق بعد أن تأكد للمنتظم الدولي أن جنرالات الجزائر يسعون إلى التوسع على حساب جيرانهم غربا وشرقا وجنوبا، فصاروا يحتضنون مختلف الجماعات الإرهابية ويمولونها بهدف زعزعة استقرار كل جيرانهم، في محاولة لإضعافهم والتمهيد للاستلاء على خيراتهم، واقتسامها مع بعض القوى الامبريالية التي تتظاهر أمامهم بأنها ستحميهم، لكنها، في الواقع، تروم فقط أن تبيع لهم أسلحة متآكلة…
أمام هذا الوضع المزري، صار حكام الجزائر يعانون من عزلة دولية قاتلة؛ فقد تخلت عنهم دول عديدة من مختلف القارات، وصاروا محط سخرية أمام العالم. وعوض أن يقوم هؤلاء الحكام بمراجعة ذواتهم، فإنهم مستمرون في غيهم، ما جعل أعداءهم يتزايدون يوما بعد يوم.
جدير بالذكر أن دولا خليجية بدأت تدخل في مواجهة مع جنرالات الجزائر؛ فقد قام الممثل الدائم للمملكة العربية السعودية مؤخرا بتوجيه صفعة قوية إلى حكام الجزائر، لأنه امتدح المواقف السلمية للمغرب تجاه الجزائر، كما أنه أدان ما يقوم به حكام الجزائر، وحذرهم من أي اعتداء على الوحدة الترابية المغربية، كما أنه اعترف صراحة بشرعية سيادة المغرب على صحرائه، وألح على تسمية الصحراء بكونها مغربية، الأمر الذي تسبب في انتكاسة كبيرة لجنرالات الجزائر. الشيء نفسه قامت به دولة قطر، وهذا ما عمق إحباط جنرالات الجزائر، الذين قاموا بتجنيد كل وسائل الإعلام التابعة لهم للهجوم على المملكة العربية السعودية، فوصفوا موقفها، المشار إليه أعلاه، بالمتناقض؛ لأنه تحدث عن الصحراء المغربية، ورحب بتعيين “ستيفان دي ميستورا” مبعوثا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، وكأن الاعتراف بمغربية الصحراء يتناقض مع تعيين هذا الدبلوماسي لتمثيل الأمين العام في المفاوضات حول الحكم الذاتي في الصحراء المغربية.
ويعود رفض عسكر الجزائر المشاركة في هذه المفاوضات إلى أنهم لا يرغبون في أن ينكشف أمرهم أنهم وراء افتعال مشكل الصحراء بهدف فصلها عن المغرب، والاستيلاء عليها لاحقا. ولم تتوقف وسائل إعلام حكام الجزائر عند هذا الحد، بل إنها ادعت أن موقف “العربية السعودية” المناهض لهم، نابع من رفض حكام الجزائر لرغبة مسؤولي “العربية السعودية” في القيام بوساطة بينهم وبين المغرب. ويرى بعض الخبراء أن هذه مجرد ادعاءات كاذبة لا علاقة له بالحقيقة؛ لأن دولا أخرى كدولة الإمارات العربية المتحدة” قد قامت بافتتاح قنصلية لها في الصحراء المغربية، فهل يمكن تفسير هذا بغضب مسؤوليها من حكام الجزائر الدين رفضوا وساطتها؟ كما أن دولا أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية والأردن ودولا أفريقية عديدة قد اعترفت بشرعية سيادة المغرب على صحرائه، فهل يمكن تفسير ذلك بغضب هذه البلدان من جنرالات الجزائر لأنهم رفضوا أي وساطة بينهم وبين المغرب؟
تؤكد هذه الأمثلة أن ادعاء حكام الجزائر هو مجرد كلام فارغ، حيث إن ترديدهم رفضهم للوساطة مع المغرب، يفيد أنهم يرغبون في هذه الوساطة، لكن لم يستجب لهم أحد.
لقد أيقن جنرالات الجزائر أن المغرب تفوق عليهم اقتصاديا وعسكريا وأخلاقيًا…، وإذا استمروا في غيهم والتشبث بموقفهم الرافض لأي اجتماع يدعو إليه السيد ستيفان دي ميستورا، فإنهم سيجدون أنفسهم خارج الشرعية الدولية. ويعود رفضهم المشاركة في أي اجتماع، يدعو له هذا الدبلوماسي الأممي إلى أنهم يريدون إنكار كونهم طرفا أساسا في صراع الصحراء المغربية، علما أن المنتظم الدولي يعي أن جنرالات الجزائر هم الذين افتعلوا هذا المشكل، كما أنه الجميع أصبح يعي خطورة أوهامهم التوسعية التي يرفضها القانون الدولي رفضا باتا. فمتى يعقلون؟