الصٌَحافة _ مريم بوزيد سبابو من الجزائر
آخر ما أنتجه الحراك الجزائري في جمعته التاسعة عشرة هو اعتقال المجاهد بورقعة لخضر، أو كما يطلق عليه «عمي لخضر». عمي لخضر بورقعة أو بورقعة لخضر بن علي بن قويدر ومبروك عائشة بنت الميلود الساكنين العمارية في ولاية المدية عاصمة التيطري، منطقة احتضنت عاصمة الزيريين وقلب افريقيا آشير المنطقة، التي أخرجت أحمالها ذهبا وشقت طريقها لتؤسس وتبني مهدية الفاطميين في تونس وقاهرة المعز في مصر.
المجاهد، الذي ملأ الدنيا بشهاداته للمؤرخين وللجميع. صاحب كتاب «شاهد على اغتيال الثورة «(1990) هاهو يقبع في السجن. بعد اتهامه بأنه أهان مؤسسة الجيش وكون ميليشيا، وتصريحه أن الجيش الوطني الشعبي ليس سليل الثورة، ولن يكون كذلك إلإ إذا رافق الحراك الشعبي.
الفيديو، الذي كان وراء اعتقاله إثر إلقاء كلمة في تجمع ملتقى «قوى البديل الديمقراطي»، الذي نظمه حزب الأرسيدي.
هل تم استدراج الرجل ليقول ما يقوله؟ حدث مثل هذا يجعل الجميع في حيرة، وأين الصح من الخطأ، ومن التاريخ، الذي لا تشوبه شبهة والتاريخ المشبوه، ومن البطل ومن الخائن. المسألة خطيرة جدا عندما نصنع رموزنا ثم نشوهها. أو ربما لم نتفق في البداية على لون وشكل الرموز ونكهتها. فنغتالها في أول منعرج. لا نملك أرضا صلبة نقف عليها بعدما زعزع الحراك الجبال الرواسي وجعل تعليقات آخر لحظة للزعماء والسياسيين مثيرة للجدل أكثر من أي وقت مضى. وردود الأفعال الرسمية أصبحت أكثر تشنجا وصلابة.
الاعتقال ضجت به مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما أن الرجل في العقد التاسع من عمره، بالرغم من اتزانه وقوة نقده وردعه.
ولأن التاريخ ظل بعيدا عن شهادات الفاعلين فيه والشعب الذي كان بطلا حقيقيا في ثورة شعبية عظيمة، ظهرت تصريحات بعض رموز الثورة والمجاهدين الكبار كأنها تصفيات حسابات تاريخية، وتم إقصاء الكثيرين والكثيرات في رحلة البحث عن الشهرة والمال. وتصريحات صاحب قضية المجاهدين المزيفين يوسف بن ملوك تنفي الشبهة عن لخضر بورقعة، وبأنه معروف لدى الجميع بنضاله بأنه كان مسؤولا في الناحية الرابعة.
لكن بورقعة لم يرد على مسألة المجاهدين المزيفين كغيره من المجاهدين الآخرين، ولم يحسم في الأمر، لأن القضية كانت من المؤكد أن تخرج المستور وتقلب موازين النضال والجهاد وتعيد للمجاهدين المهمشين ممن لم يستفيدوا من امتيازات الدولة الوطنية، مكانتهم التي ما زالت في أرشيفات الوزارة بحجة تتداولها الألسن وهي أن عصر المجاهدين ولى. لكن لا ننتظر الشيء الكثير من التاريخ.
وواقع الحال يؤكد أن مجاهدين من طينة الكبار ساندوا نظام بوتفليقة وشبعوا منه حد التخمة. ثم بدأوا بعد الحراك ينتقدون ويحاولون إيجاد مكان في الصفوف الأمامية، مثلهم مثل الكثيرين من النخب المختلفة وفي كل الميادين.
الفساد الذي عم الثقافة والتربية. وزيرات في الميزان أين المفر وكل القطاعات ملغمة، التاريخ مفخخ. فحيثما وضعت رجلك احترقت، والثقافة لا تبتعد عن التاريخ تكمل مسار التحريف واللعب على الذقون بنعومة التظاهرات البراقة ظاهريا، والتي تبث سموما بالآثار التي ترتبت عنها من قضايا الفساد المالي والأخلاقي المهني. المظاهر التي أسالت حبرا كثرا وتعليقات كبيرة جدا وما زالت. وكل ما حدث لا يمكنه أن يمر مرور الكرام ها هو يتصدر الواجهات الإعلامية ويعيد فتح الملفات التي كانت في سبات بسبب المصالح والشللية المقيتة.
ما زال قطاع الثقافة يثير جدلا كبيرا بما يكتب وينشر ويصرح به من طرف الفاعلين في القطاع الذي يفجر قضايا فساد مالية كبيرة في كل المجالات، من الكتب إلى التظاهرات والمهرجانات إلى السينما. وكانت آخر الاحتجاجات الوقفة التي نظمت من طرف الفنانين وأهل القطاع أمام مقر وزارة الثقافة.
بعد آخر ما تناوله الإعلام بشأن استمرار التسيير المبهم لأموال طائلة تدخل جيوب الأقارب، كما حدث مع سيناريو فيلم وثائقي يقوم بإعداده عبد المجيد مرداسي، والد وزيرة الثقافة مريم مرداسي «منذ ستين عاما 19 مايو/أيار 1956» وهذا بعد المقال الذي نشر على صفحات «الشروق» بإمضاء الصحافية زهية منصر. وقامت الوزيرة بتوضيح اللبس وأن المشرع تمت الموافقة عليه في عهد الوزير السابق عز الدين ميهوبي. كما عقبت جريدة «الشروق» أن ميزانية الوثائقي في عهد ميهوبي كانت 2.5 مليون، بينما قفز الرقم ليصبح 9 ملايين. ففي هذا الشأن السياسي لا يصبح للأقارب أولوية المعروف. بل كلما ابتعد الأقارب سلمت مكانة السياسي وبرأت ذمته.
هكذا تلاحق الفضائح والتهم وزراء سابقين وحاليين وكثيرين من بطانتهم، كما هو الشأن كذلك بالنسبة لوزيرة التربية السابقة نورية بن غبريط، التي أودعت بشأنها منظمة أولياء التلاميذ دعوى قضائية بشأنها لدى قضاء الجزائر وتوجيه 22 تهمة. أبرزها استغلال منصبها لتغريب المدرسة العمومية، وطالبت المنظمة في فتح تحقيق بشأن تسريبات البكالوريا 2016، وأموال اشتراكات المترشحين للامتحانات، التي ذهبت الى وجهة غير معلومة والتحقيق في رداءة الكتب والغائها بشكل مستمر بحجج واهية، كما جاء في بيان منظمة أولياء التلاميذ وغيرها من مشاكل القطاع، التي تنامت في عهدة الوزيرة.
وبالفعل فإن قطاع التربية ما زال ينغص حياة الأولياء ويهزم طموحات تحصيل علمي بمستوى راق، نظرا للارتجال في الإصلاحات، التي لا تغني ولا تسمن، بل تزيد في رداءة التحصيل العلمي للتلاميذ في مختلف الأطوار الأولى. والتي تكتشف في الجامعة بعد أن تكون الفأس قد هشمت الرأس.
فأي قطاع سلم من هذا الغول الكبير، الذي يخيف في وضح النهار و لاينتظر ليل الحكايات الطويل؟
«خاوة خاوة» وعرب كأس افريقيا
من يرى علم الجزائر إلى جانب علم تونس يجوب شوارع المدن التونسية لأسباب تلاحم الشعبين ووقوفهما بجانب بعضهما البعض، ومن يرى فرحة المغاربة لفوز الجزائر وانطباعات الجماهير المناصرة، التي ترغب في أن يكون النهائي عربيا يدرك أن للرياضة دورا بارزا في توحيد صفوف الشعوب العربية من أبوابها العريضة. لكن كذلك يمكن لهذه الجماهير أن تتحول لأداة تستخدم في سياسات التفرقة، كما حدث بين مصر والجزائر وما خلفته تلك المباراة من حملات تلفزيونية وأحداث شوهت العلاقات بين الشعبين وأسست لعنف إعلامي وسياسي ومجتمعي!
نرجو أن تكون هذه المنافسة الافريقية نزيهة وبكل معاني الروح الرياضية بين الأشقاء المغاربة والعرب والأفارقة ولملمة بعض جراح الداخل المهتز المنتفض الهش المتداع. وأن تنهض الشعوب وترفع من معنوياتها، كما ترفعه بالكرة والمنافسات الرياضية، وأن يصل التفاعل والتلاحم، ليس فقط بالكرة بل بالمشاريع الثقافية والاقتصادية وخلق تكامل بين الأفارقة والعرب، ودفن الخصومات إلى الأبد، وإن كان ذلك في الملاعب وفي كرة القدم فمرحبا بكل المبادرات.
«مهرجان موازين»: خلل في ميزان العدالة
أم ملتصقة بولدها رماهما البحر ككتلة واحدة تدل على جبروت الوضع الهش، الذي يعيشه المغاربة، أب يموت على قارعة الطريق في مسار شاق للظفر بلقمة عيش كريمة، وغيرها من مآسينا، التي لا تنضب بل تزداد حدة. وتزداد الرفاهية على الترفيه بحدة أيضا!
هذا ما يلخص السياق، الذي تجري فيه فعاليات أكبر المهرجانات الفنية والموسيقية العالمية في المغرب، التي يهرع إليها من كل حدب وصوب للظفر بعطور وخامات المغرب وطيبة أهله وإتقانه لفن الحرف والحياة. لكن يبقى المهرجان يثير جدلا كبيرا، نظرا لما يحدث على هامشه، والذي لا يرضى به المجتمع المغربي. ففي كل عام تظهر حالات شاذة تسيء للمهرجان ولتنظيمه، وهاهو المهرجان في طبعته 18 يثير السخط والاستنكار بما أحدثته الفرقة اللبنانية المثيرة للجدل «مشروع ليلى» إذ قام أحد الحاضرين من الجمهور برفع علم «الرينبو» الذي يعبر عن ميول المثليين.
المهرجان، الذي تصرف عليه أموال طائلة ينتظر أن ينتصر للمثليين ولمؤخرات الفرقة النسائية المرافقة لجنيفر لوبيز. ينتظر منه أن يحقق إيرادات لاستقطابه لملايين الوافدين عليه.
ماذا يفيد الساكنة المهمشين القابعين في الكهوف والنائمين على الأرصفة، ماذا يفيد آلاف عاملات الفراولة وظروفهن المزرية في الداخل والخارج؟ ماذا يفيد آلاف الخريجين، الذين يتظاهرون كل عام في ساحات الرباط؟ أهي لعنة المهرجانات في بلداننا، والتي وإن غطت ولمعت السياسات الداخلية فإنها تعري واقع الشعوب ووهنها وعيشتها المزرية وطاقاتها المهدورة في عرض المياه، وفي الشوارع غير آلامنة وفي المؤسسات التي نخرتها المحسوبية والفساد؟.