الصحافة _ كندا
من موقع المتابعة الدقيقة لمسارات العلاقات المغربية الجنوب إفريقية، يمكن القول إن إعلان الرئيس الجنوب إفريقي السابق جاكوب زوما دعمه الصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي، لا يندرج في خانة التصريحات العابرة أو المجاملات الظرفية، بل يمثل تطورًا نوعيًا يحمل دلالات سياسية عميقة، ويُؤشر على تحوّل استراتيجي محتمل في تموقع بريتوريا تجاه قضية الصحراء المغربية.
لقد شكّل اللقاء الذي جمع الملك محمد السادس بجاكوب زوما في أبيدجان سنة 2017 لحظة تأسيسية لمسار دبلوماسي هادئ ولكنه مثابر، استطاع خلاله المغرب أن ينسج روابط مع أطراف وازنة داخل النخبة الجنوب إفريقية، بعيدًا عن الطابع الصدامي الذي ميّز علاقات الرباط وبريتوريا منذ 2004، تاريخ اعتراف الأخيرة بما يُسمى “الجمهورية الصحراوية”.
تصريحات زوما، التي جاءت في سياق سياسي حساس داخليًا وإقليميًا، تعكس بداية تصدع في جبهة الدعم المطلق لأطروحة الانفصال، وتُبرز في المقابل أن المغرب نجح في نقل النقاش من منطق الاصطفاف الإيديولوجي إلى منطق الحلول السياسية الواقعية، مستندًا إلى مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية، باعتباره خيارًا جادًا وذي مصداقية، كما وصفه مجلس الأمن في أكثر من قرار.
من الناحية الجيوسياسية، يمكن قراءة هذا الموقف أيضًا كامتداد لتحولات عميقة تشهدها القارة الإفريقية، حيث لم يعد دعم النزعات الانفصالية يتماشى مع منطق الأمن الجماعي والاستقرار الإقليمي. وهو ما تدركه اليوم النخب الجديدة في جنوب إفريقيا، التي باتت أكثر براغماتية في مقاربتها للعلاقات الدولية، وأكثر وعيًا بأهمية الشراكات الاقتصادية والديبلوماسية مع دول مؤثرة كالمغرب.
وعلى مستوى التموقع الإفريقي، فإن المغرب، من خلال حضوره المتنامي في غرب القارة ووسطها، وتزايد عدد القنصليات في الأقاليم الجنوبية، وتوسيع شبكة علاقاته مع القوى الصاعدة، بات يفرض نفسه كفاعل رئيسي لا يمكن عزله أو تطويقه. وهو ما تدركه الدوائر السياسية في بريتوريا، خصوصًا في ظل تراجع الدور التقليدي للجزائر داخل القارة، وتآكل مصداقيتها بعد انسحاب عدد من الدول الإفريقية من مربع التأييد لأطروحتها.
وفي العمق، فإن إعلان زوما يُعد كذلك تعبيرًا عن انفتاح تيار داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي على مراجعة السياسات الخارجية التقليدية، والتفاعل مع المستجدات الدولية، وهو ما قد يُفضي مستقبلاً إلى تعديل في الموقف الرسمي لجنوب إفريقيا، خصوصًا إذا ما اقترن ذلك بإعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية الجنوب إفريقية وفق ما تفرضه المصالح الوطنية لا الولاءات القديمة.
ختامًا، فإن دعم زوما لمبادرة الحكم الذاتي لا يمكن اعتباره حدثًا معزولًا، بل هو نتيجة طبيعية لتحولات تدريجية في البيئة السياسية الإفريقية، ورسالة واضحة مفادها أن الواقعية السياسية بدأت تتفوق على الشعارات الجامدة، وأن المغرب بات اليوم يحصد ثمار دبلوماسيته الهادئة والمدروسة، التي تراكم المشروعية، وتحظى بالاحترام حتى داخل معاقل المواقف المناوئة.