الصحافة _ الرباط
لقد رفعت السفارة الفرنسية مؤخرا تقريرا سريا إلى “قصر الإليزي” حول تسيير الجنرالات للأزمات، حيث تحدث هذا التقرير عن الأزمة المالية، التي تعيشها الجزائر نتيجة انخفاض عائدات البترول والغاز، وما نتج عن ذلك من عدم قدرة حكام الجزائر على تلبية حاجيات البلاد، حيث انعكس ذلك سلبا على القدرة الشرائية للشعب الجزائري، الذي تعطل اقتصاد بلاده، نتيجة تخريبه من قبل السياسات المتبعة من الجنرالات، الناجمة عن عجزهم عن استعمال الخيال لتطوير مشروع تنموي للبلاد.
ويضيف هذا التقرير أن “وزارة الخارجية الجزائرية” لا تلعب أي دور لصالح تنمية الاقتصاد الجزائري، لأنها لا تقوم بأي مجهود من أجل جلب استثمارات خارجية إلى الجزائر. ويعود عجز الدبلوماسية الجزائرية عن جلب الاستثمارات الأجنبية إلى أن “”رمضان لعمامرة” وأشباهه قد تعودوا على شراء الأصوات لصالح مليشيات “البوليساريو” في مختلف المنتديات الدولية، فأصبحوا لا يتقنون إلا تقديم الرشاوى وصناعة خصوم لهم في كل خطوة يخطونها. هكذا، فإنهم صاروا عاجزين عن بناء صداقات قائمة على التعاون، حيث إن كل من تعود على شراء الذمم يفسد طبعه، ويحترف التآمر، ولا يقدر على بناء صداقات قائمة على الوضوح الاحترام والتعاون… ولما انخفضت عائدات البترول والغاز، ولم تعد لهم عملة صعبة، أصبحوا عاجزين عن شراء الذمم، فأصابهم شلل دبلوماسي شبه كامل، فتعرضوا للتيه والضياع.
لذلك، فعوض أن يستعملوا عقلهم وخيالهم لإخراج البلاد من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، نجدهم لا يبرعون إلا في مراكمة الخصوم والأعداء، حيث كاد العالم أن ينفض من حولهم.
ويرى واضعو هذا التقرير أن الجنرالات هم الذين يتحملون مسؤولية كل الأزمات التي تتخبط فيها الجزائر. ويعود ذلك إلى حيلولة الجنرالات دون مأسسة الدولة والمجتمع، ما مكن القيادة العسكرية من التحكم في كل شيء في الجزائر. ونظرا لعجز حكام الجزائر عن اتخاذ أية قرارات أو إجراءات للتخفيف من حدة الأزمات، فإن الشارع الجزائري لا يزال مستمرا في الاحتجاجات في مختلف المناطق والمدن، كما أن حدة الاحتقان الاجتماعي والسياسي لا تزال مستمرة في الارتفاع في اتجاه الانفجار. ورغم ذلك، فإن الجنرالات لا يزالون يوظفون فرق الشرطة لقمع المحتجين، فباتت هذه الأخيرة تمل ممارسة القمع والقهر، ما يفيد أن الجنرالات صاروا يجبرونها على ذلك.
كما ورد في هذا التقرير أن الجنرالات لجأوا إلى إضرام الحرائق في مختلف المناطق الجزائرية بهدف إخماد جذوة الحراك، كما أنهم اتهموا كلا من حركة “الماك” وجماعة “رشاد بـ “الإرهاب”، حيث يريدون صرف أنظار كل من الرأي العام المحلي والرأي العام العالمي عن المشاكل التي تعيشها الجزائر، أضف إلى ذلك أنهم سعوا إلى اتهام بلدان أجنبية بوقوفها وراء هذين التنظيمين ومساندتها للحراك الشعبي… هكذا، فقد عاود الجنرالات استعمال ورقة “الإرهاب” التي سبق أن استعملوها في تسعينيات القرن الماضي، والتي كانت مدخلا لتسويغ “العشرية السوداء”، التي قتلوا فيها حوالي نصف مليون جزائري. وقد انكشف افتراء الجنرالات على هذين التنظيمين، لأنهم طلبوا من الدول التي يقيم فيها معارضوهم أن تسلمهم قياداتها، لكنهم لم يستطيعوا تحقيق مبتغاهم، لأنهم عجزوا عن تقديم أية حجة ملموسة تؤكد أنهم إرهابيون..
وما لا يدركه الجنرالات هو أن توقيف المعارضين الذين يتوفرون على صفة لاجئ سياسي تحول دون تسليمهم معارضيهم لأن البلدان الديمقراطية هي بلدان مؤسسات لا يحكمها دكتاتوريون، كما يحدث في الجزائر؛ الأمر الذي يدل على فقدانهم للقدرة على التمييز، لأنهم يخلطون بين حكمهم وأنظمة ديمقراطية غربية خرجت من رحم فكر الأنوار. كما أن استبداد حكام الجزائر قد حال دون إدراكهم أن اعتقال معارضيهم لا يحل كل المشاكل التي خلقوها للشعب الجزائري، حيث إن الجنرالات هم مصدر كل المشاكل، التي هي مرشحة للاستفحال. كما أن الحاكم الذي يرفض مراجعة ذاته، لا يمكنه الانتصار عليها، وتجاوز كل العوائق والأزمات، لأن استبداده يحول دون أن يعي أن العائق الأساس هو ذاته. وهذا ما يؤكد أنه من المستحيل على المستبد أن يراجع ذاته، ما يعني أنه سائر إلى زوال…
ويقول محررو هذا التقرير إن اتهام الجنرالات لحركة “الماك” وجمعية “رشاد” بالإرهاب قد جعل كل التمثيليات الأجنبية في الجزائر تتساءل عن مدى رشد حكام الجزائر، كما أنها بدأت تتساءل عن الاتجاه الذي يقودون إليه البلاد، فبات الجنرالات محط سخرية من قبل العالم بأسره، ما يفيد أن الأوضاع في الجزائر لن تزداد إلا تأزما، الأمر الذي يدل على أن الأوضاع الاجتماعية مقبلة على الانفجار.
ويشكل رفع هذا التقرير، الذي وضعتها السفارة الفرنسية بالجزائر إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية، إدانة لحكام الجزائر…
علاوة على ذلك، فقد كشف هذا التقرير أن حكام الجزائر لا يتصرفون في واضحة النهار، ولا من وراء حجاب، بل إنهم يسيرون البلاد من ظلمات قنوات الصرف الصحي، ما يدل على غموضهم وجبنهم وغبائهم، لأنهم لا يدركون أن هذا العصر يقتضي الديمقراطية التي تستوجب الوضوح، إذ لا ديمقراطية مع الغموض، كما أنه لا استقرار مع الغموض…
وتدل الأزمات المتتالية للجزائر، وما نجم عنها من مشاكل سياسية وحقوقية واجتماعية واقتصادية ومالية، على أن الشعب الجزائري يتحكم فيه العسكر المستبدون، الذين ليست لهم أية شرعية سياسية. وقد تؤدي هذه الوضعية إلى ضرب الوحدة الوطنية، ما سينجم عنه ضرب الوحدة الترابية وتفتيت الكيان الجزائري…
وتجدر الإشارة إلى أن حكم الجنرالات قد دخل في مرحلة تقهقر بسبب ما خلقه من مشكلات كبيرة للشعب وللوطن، كما أن هؤلاء الجنرالات ليسوا منسجمين في ما بينهم، حيث يوجد أكثر من ثلاثين جنرالا وراء القضبان. إضافة أن الصراعات بين مختلف أجنحة الجنرالات قد تؤدي إلى انقلاب بعضهم على بعض ، كما يسود غضب كبير في أوساط الجيش نتيجة إقصاء القيادة العسكرية لأغلبية الضباط السامين، ولا يترقى منهم إلا أزلام الجنرالات الشيوخ…
خلاصة القول، ينبغي على الشعب الجزائري أن يقوم بتحرير نفسه من حكم العسكر، الذي بات يجثم على صدره، فكاد يخنقه، ما يستوجب ترحيل الجنرالات والعمل على إقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة، حيث إن الديمقراطية هي أساس التنمية، كما أنها ضامنة الوحدة الوطنية، التي هي شرط. أساس للوحدة الترابية…