بقلم: مراد بورجى
الهجوم الشرس، الذي شنه بعض أمناء الأحزاب السياسية على والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، بعد أن انتقد أداء الأحزاب السياسية ونعتها بـ”الباكور والزعتر”، يستلزم طرح السؤال الآني التالي: هل يستفيد الوطن من الأحزاب أم أصبحت يستفيد منها الأشخاص؟
والي بنك المغرب، خلال تدخله في ندوة صحفية، قال إن: “الناس ما بقاتش كثّيق فهاد الأحزاب والباكور والزعتر”، وأضاف مسترسلًا: “العزوف عن الانتخابات يطرح نفسه، والمواطن لم يعد يثق، والمشكل الأساسي مشكل ثقة ليس في السياسيين فقط، وحتى من ينتمي للقطاع العام مست الثقة فيه”.
ما ذهب إليه الوالي يعني أنه يتخوف على الوطن من أن يُمس فيه ما بقي من شرفاء بسبب انتمائهم لإدارة تسيرها طبقة سياسية فقد فيها الملك محمد السادس والشعب الثقة.
تعالوا نسأل مسؤولي هذه الأحزاب، الذين أطلقوا ألسنتهم اليوم “على” والي بنك المغرب “بلا حيا بلا حشمة”: لماذا بلعوها عندما انتقدهم ملك البلاد ومسح بهم الأرض طولاً وعرضاً، وذهب إلى حد القول إن الذين لا يقومون بعملهم وكأنهم يخونون الوطن والملك؟!
من منهم خرج علينا ليستثني نفسه من تقريع الملك له؟!
الملك محمد السادس عندما استثنى وقال إن المغرب له نساؤه ورجاله الصادقون، كان يتكلم عن أشخاص مثل عبد اللطيف الجواهري وغيره كثيرين ممن خصصوا مسارهم المهني لخدمة الوطن، ولم يستغلوا مناصبهم لجمع الثروات ونهب المال العام.
يكفي أن نعلم أن عبد اللطيف الجواهري يساري سليل الحركة الطلابية، وانتُخب سنة 1961 عضواً بارزاً في تلك اللجنة التنفيذية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، التي غيّرت مسار “أوطم” نحو تجذير نضاله، وحظي بثقة الراحل الحسن الثاني فجاء به من بنك المغرب سنة 1978 ليعينه وزيراً منتدبًا مكلفا بإصلاح المؤسسات العمومية، ثم وزيرا للمالية.
في سنة 1986، وبدعم من الراحل الحسن الثاني الذي كان يريد بنوكاً مغربيةً قويةً، عمِل عبد اللطيف الجواهري على تحسين وتطوير المنظومة البنكية من خلال ترؤُّسه للمجموعة المهنية لبنوك المغرب، وهو ما كان وراء خلق المحاكم التجارية سنة 1996.
استمرت نفس الثقة في عبد اللطيف الجواهري بعد تقلد الملك محمد السادس للحكم، فعينه رئيسا مديرا عاما للصندوق المهني المغربي للتقاعد سنة 2002، ثم واليا على بنك المغرب منذ سنة 2003 إلى غاية اليوم…
قرابة 60 سنة وعبد اللطيف الجواهري في خدمة الوطن من على رأس المناصب المالية الحساسة، لم يتهمه أحد يومًا بنهب مال عام ولا باستغلال نفوذه لجمع الثروات المشبوهة.
لم يستطع أحد اتهامه لا المجلس الأعلى للحسابات، ولا لجان تقصي برلمانية، ولا نشرت له مجلة فوربس ملايير دولارات يملكها.
وهو تحدي مرفوع للطبقة السياسية التي تطاولت على رجل ردد فقط العُشر من الاتهامات الثقيلة، التي سبق للملك محمد السادس أن وجهها لها رسميًا، في خطابات نارية عديدة.
خطابات حذّر فيها الملك هذه الطبقة السياسية من مغبّة عدم الالتزام بتوجيهاته التي كان أهمها تجديد النخبة السياسية، التي أصبح لا يثق فيها لا هو ولا الشعب.
هذه الطبقة السياسية التي فشل بين يديها كل شيء باعتراف الملك نفسه.
الملك أعطى إشارات عديدة ذهبت إلى حد طرده لوزراء من الحكومة.
وهدد الملك بالقول إن هذا الوضع لن يستمر.
واليوم كل المؤشرات تدل على أن هذه الطبقة السياسية لم تكترث بما قاله الجالس على العرش، ومازالت مصرة على رهن الوطن والملك والشعب للخمس سنوات المقبلة بتزكيتها مرات عديدة لنفس الوجوه والأسماء، التي احتلت الحكومة والبرلمان، واحتكرت المشهد السياسي لعشرات السنين.
عندما أتاح الملك الفرصة أمام الحكومة لتعود إليه حكومةً مخففةً وحكومةَ أكفاء أو كفاءات، والنتيجة ما نراها اليوم، فشل ذريع…
الملك أتاح الفرصة، أيضا، للأحزاب السياسية، استعمل كل الوسائل، الشرح والتشريح والنقد والتقريع وحتى العقاب، لتغير أساليبها وسياساتها وممارساتها ومسؤوليها من أجل منح الوطن ما ينتظره منهم من مسؤولين لا “يتجاهلون بأن المواطن هو الأهم في الانتخابات، وليس المرشح أو الحزب، ويتنكرون لقيم العمل السياسي النبيل”…
فإذا كانوا لا يريدون القيام بعملهم، يتساءل الملك باستنكار: فلماذا يتوجهون إذن للعمل السياسي؟
الرسالة، هنا، واضحة لهؤلاء، ويزيدها الملك وضوحا وصرامة وهو يتوجه إليهم: “لكل هؤلاء أقول: كفى، واتقوا الله في وطنكم…”.
فإذا ما عادوا بنفس الوجوه الرتيبة، وبما أن الملك محمد السادس قال إنه يحترم الدستور، أي لا يستطيع أن يفرض على الأحزاب تشبيب وتجديد النخبة السياسية، ولا أن يجبر الأحزاب على إبعاد المفسدين الذين أساؤوا للسياسة، فإنه، بالمقابل، يمكنه استعمال صلاحياته الدستورية لحل البرلمان المقبل، إذا ما عادت له هذه النخبة المبغوضة…