الصحافة _ بقلم: رشيد لبكر
من الناحية النظرية، تعمد الدول إلى تحرير اسعار بعض السلع ، عندما تدرك ان سوقها الداخلي اصبح مؤهلا وقادرا على خوض غمار المنافسة، وان هذه الأخيرة، ستسمح بدخول أنواع متعددة من هذا النوع السلع المشمول بحمايتها، وان الموردين سيتنافسون في جلب احسن الانواع منها وبأسعار تفاضلية اي تنافسية ، الشيء الذي سيخفف من جهة، العبء على الدولة التي كانت هي من يتكلف بإدارة التجارة في هذا النوع من السلع ، نظرا لارتفاع الطلب عليه ولارتباطه القوي بالعادات الاستهلاكية للمواطنين وبالتالي وجوده اساسي لضمان جزء من الامن الاجتماعي المرتبط به، لكن الدولة قد ترى بإمكانية تحرير سعر هذه السلعة لاعتقادها بأن السوق اصبح قادرا على تلبية الحاجيات الملحة منها – على نحو ما ذكرنا-، بكميات اوفر وبأثمان مناسبة وتنوع في الجودة أيضا، على اعتبار أن المنافسة الحقيقية لن تكون في آخر المطاف غير في صالح المستهلك، بمعنى ان الدولة ترفع يدها وتكتفي بالمراقبة من بعيد ولا تتدخل إلا عندما يكون التدخل لازم ومؤكد، حماية للمستهلك ولحقوق كل المتنافسين ، وهادشي علاش ظهر مصطلح المنافسة الشريفة واللي ما كيعني غير محاربة الفساد والاحتكار وغيره..وسنرجع لهذا الأمر بعد قليل.
هذا فيما يخص الجهة الأولى كيف ما قلنا ، اما الجهة الثانية من هذا الحديث، فتتعلق بالسوق ذاته، أي أن التحرير يؤدي نظريا إلى توفير كميات هائلة من السلع المطلوبة بحال اللي وقع مثلا في قطاع الشاي والزيت وغيره ( هذا من حيث المبدأ)، ويصبح أمام المواطن تشكيلة متنوعة من الاختيارات وبجودة، وكلها و جهدو وحتى واحد ما يبقى بلاش..وبالتالي فالدورة الاقتصادية برمتها تنتعش والقدرة الشرائية تحافظ على التوازن ديالها و نضمن حتى السلم الاجتماعي..
هذه هي الفلسفة من تحرير الاسعار إذن، ولكن لكل شيء ثمن، فإذا انصب قرار الدولة على هذا الاختيار، لازم توضع ليه الميكانيزمات الضرورية باش يعطي الاكل ديالو، واللي منها، طبعا، شروط تنافسية عادلة بين الجميع، منع الاحتكار، نبذ المحسوبية والزبونية، تساوي الفرص…اي فتح المجال أمام الجميع وليس بمنطق باك صحبي وصاني عليك، ثم تطبيق القانون على الجميع، وغيره من مبادئ لا تخرج في عمومها عن شرط ضمان المنافسة الشريفة، وبلا من نقولو معقولية الاسعار ، لأنه بضمان هذه الشروط، وزيد عليه شويش ديال القناعة والمواطنة والاخلاق، غتكون معقولية الاسعار تحصيل حاصل.
هذه هي النظرية اذن، دابا السؤال، علاش في بلادنا، ورغم التحرير وقانون المنافسة و قانون حماية المستهلك وغيره، عندنا مشكل كبير في قضية الاسعار وحتى الجودة…
ببساطة لان التحرير عندنا تحول من احتكار الدولة لبعض القطاعات كما قلنا، الى احتكار هذه القطاعات من طرف بعض الاشخاص او الفئات، مستفيدين من التنفيذ الامثل لعدم التنزيل الحقيقي لكل المقتضيات الضامنة لشروط المنافسة السوية ولحماية المستهلك، زيد عليه واقع الفساد الاداري الذي عشش في عقول الكثير من منعدمي الضمير، وأصبح مع الأسف فيروسا خطيرا اسمه داء الرغبة في الربح السريع والذي نجد ترجمته في القاموس السياسي ب “الغاية تبرر الوسيلة”، فيروس استفحل كثيرا وتغول في الكيان الاقتصادي واصبح هو الاشكال الحقيقي المهدد للبلاد والقدرة الشرائية لعموم المواطنين… فاحتكار بعض الأفراد والهيئات لبعض السلع والمنتوجات، هو اللي تيفسر حالة التسيب في الاسعار، واللي تتبدا من اصغر تاجر إلى الحيتان الكبرى…
علا هذا الاساس، فإن التحرير عوض ما يكون مساعد للدولة و مخفف من الأعباء العمومية ومنشط للدورة الاقتصادية وبالتالي مساهم في تحسين للقدرة الشرائية للمستهلك، اصبح همزة مغرية لبعض مقتنصي الفرص، الذين يصطادون في بركة آسنة لوثها الفساد و تراجع منسوب القيم…
هكذا إذن، تحكم البعض من المنتفعين في الأسواق، تحكموا في الاسعار، راكموا الثروات، تحولوا إلى لوبيات تغولت، وبقاتش قانعة بالقليل …
ومللي غادا تولي السلعة كاينة ولكن المواطن ماقدرش يشربها غندخلو الى مرحلة التضخم والعياذ بالله…
الحل اذن، هو ضرورة رجوع الدولة كي تتحكم في الأمور وتصحح الاوضاع المعيشية حتى تستقر ..وإلا غادين كلنا نمشيو فين مشى حمادي….
الحمد لله لم يعد هناك مرض إلا وله دواء، فقط خاص غير التشخيص الدقيق وفي الوقت المناسب …
دابا هل تتفقون معي بأن الداء الذي اصاب منظومتنا، هو الطمع او الجشع او الربح السريع او الاحتكار وزيد وزيد… تعدد الأسماء ولكن الفساد واحد.